شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز لـ”الحرة”: جرح السويداء عميق والمجرمون “يتسترون بعباءة الدولة”

“مجرمون يتستّرون بعباءة الدولة” هكذا يصف شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز في لبنان، الشيخ الدكتور سامي أبي المنى، “عناصر منضوين في الأجهزة الأمنية” السورية اتهمهم بارتكاب “الجريمة النكراء” في السويداء.

وفي تصريحات لـ”الحرة”، يتساءل أبي المنى: “هل الدولة السورية عاجزة عن ضبط المتطرّفين والجماعات المتفلّتة؟”.

يقول: “الوضع في السويداء كان مستقرا، وكانت هناك مساعٍ للتوصّل إلى اتفاق يقضي ببسط سلطة الدولة مقابل ضمانات لأبناء المحافظة”، لكن ما حصل “كشف عن أحقاد دفينة أساءت إلى العلاقة بين السلطة وأبناء الجبل”.

ويذهب إلى أن المتورطين هم عناصر أمن “ما يحمّل الدولة السورية مسؤولية مباشرة عما جرى”. وما جرى “سيبقى جرحاً عميقاً في ذاكرة أبناء الجبل”.

وكانت قوات الحكومة السورية انسحبت من السويداء ذات الأغلبية الدرزية ليل الخميس، بعد اشتباكات استمرت أياما – وقتل فيها عشرات الأشخاص – شملت عشائر من البدو وقوات حكومية ومقاتلين من الدروز.

وعبر الحدود، عبر زعماء الطائفة الدرزية في لبنان عن مواقف متباينة تجاه ما جرى في السويداء.

وترجمت فئة من أبناء الطائفة الدرزية غضبها بتحركات على الأرض، وقطع طرقات في بلدات عدّة من جبل لبنان، تطورت في بعض الحالات إلى اعتداءات طالت لاجئين سوريين، وسط خطاب مشحون بالغضب والوجع.

لكن ارتدادات السويداء لم تتوقف عند جبل لبنان، بل وصلت إلى شماله، طرابلس تحديدا، حيث الشارع السنّي استنفر بدوره، مسجّلاً تحركات مؤيدة للرئيس السوري أحمد الشرع، في ردّ مباشر على ما اعتبر “اصطفافاً درزياً” ضد مشروع الشرع في دمشق.

الحل في دمشق

الزعيم الدرزي اللبناني، وليد جنبلاط، دعا إلى “فتح حوار شامل” بين مكوّنات الطائفة الدرزية في سوريا والحكومة المركزية في دمشق.

وفي تصريحات صحفية، دان جنبلاط “التجاوزات والإهانات” التي تعرّض لها أبناء السويداء، لكنه شدد على أن الرهان على الحماية الدولية ليس سوى وهم. وقال: “أهل السويداء وأبناء السلطة السورية هم وحدهم القادرون على الحفاظ على الأرض”.

جنبلاط، الذي سبق أن زار دمشق والتقى بالرئيس السوري أحمد الشرع في مناسبتين، انتقد الأصوات التي دعت إلى تدخل إسرائيلي.

وهو موقف يتوافق معه شيخ العقل الشيخ الدكتور سامي أبي المنى.

 يرفض أبي المنى “رفضا قاطعا أي تدخل أو حماية إسرائيلية”، ويحمل الدولة السورية مسؤولية “إيجاد السبل لعودة الأمن والاستقرار للمحافظة وفي كل المناطق السورية”.

يذكر أن المواجهات بين الدروز والسلطات السورية الجديدة لم تكن حدثاً طارئاً. ففي أبريل الماضي، اندلعت اشتباكات دامية بين قوات الأمن ومسلحين دروز في بلدتي جرمانا وصحنايا قرب دمشق، قُتل فيها قرابة 120 شخصاً، لكنها أخذت منحى أكثر دموية في الأيام الأخيرة، مع دخول الجيش السوري مدعوماً بعشائر البدو إلى السويداء، ما فاقم حالة الاحتقان وأدى إلى انفجار واسع.

يذكر أن العلاقة بين السلطات الجديدة في دمشق والدروز هشة منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، وقد ظلت مدينة السويداء، المعقل الرئيسي للطائفة الدرزية في سوريا، خارج سلطة دمشق.

تباين درزي

الساحة الدرزية في لبنان لم تكن موحدة في ردودها.

رئيس حزب “التوحيد العربي”، وئام وهاب، المقرب من النظام السوري السابق، دعا الدروز إلى حمل السلاح، وطالب “المقاومة اللبنانية” (في إشارة إلى حزب الله) بتقديم الدعم للدروز في سوريا.

 قائلاً “لا لتسليم السلاح، لا في سوريا ولا في لبنان. بديل السلاح الذبح والقتل”.

في المقابل، تبنّى رئيس “الحزب الديمقراطي اللبناني” طلال أرسلان موقفاً أكثر دبلوماسية، لم يخفِ فيه قلقه من سلوك السلطة السورية الجديدة، معتبراً في تغريدة عبر صفحته على “إكس” أن “الدولة السورية دخلت طرفاً في النزاع، ولم تعد حكماً بين مكوّناتها”.

وشبّه ما يحدث في السويداء بما شهدته بعض مناطق الساحل السوري من انتهاكات على أيدي قوات تابعة للشرع في مارس الماضي.

ودعا أرسلان إلى تدخّل عربي ودولي عاجل، لا سيما من دول الخليج.

تباين وجهات النظر بين القيادات الدرزية “أمر طبيعي”، يقول الكاتب والباحث السياسي الدكتور مكرم رباح، لكنه يؤكد في الوقت نفسه أن “جميع هذه القيادات تسعى إلى مصلحة أبناء الطائفة، وبشكل خاص دروز السويداء”.

كذلك يرى مدير “مركز الديمقراطية للدراسات السياسية والاستراتيجية”، الدكتور غسان بو دياب، أن التباين في مواقف الزعامات الدرزية حيال أحداث السويداء الأخيرة يبقى “أمراً طبيعياً ومفهوماً”، في ضوء الانقسامات التاريخية المرتبطة بالنزاع السوري.

ويوضح بو دياب أن وليد جنبلاط، منذ اندلاع الأزمة السورية، تبنّى “مقاربة تميل إلى التهدئة واحتواء التصعيد، حتى وإن جاء ذلك على حساب الألم والجرح المفتوح”. لكن هذه المقاربة، بحسبه، “لا تنسجم مع موقف الغالبية داخل الطائفة، سواء داخل المؤسسة الدينية أو على مستوى الرأي العام “.

من جانبه، يدعو شيخ العقل أبي المنى أبناء الطائفة الدرزية إلى “التعقّل والتصرّف بحكمة ورويّة”، مشدداً على أنهم “شركاء في الوطن، وعليهم أن يساهموا في بنائه”.

ويعتبر أبي المنى أن “عودة الهدوء تتطلّب جهداً مشتركاً من الدولة والمشايخ وأبناء الجبل، وأن الاتفاق السياسي المطروح لا يزال يشكّل فرصة للترميم، آملين ان يحظى برعاية عربية وإسلامية تعزّز الثقة بين أبناء الجبل ودولتهم”.

وكشف أبي المنى عن تواصله في هذا السياق مع السفير السعودي في لبنان.

توترات ميدانية

لم يبقَ الغضب الدرزي في لبنان حبيس التصريحات والمواقف.

فقد عمد محتجّون من أبناء الطائفة الدرزية إلى قطع عدد من الطرق في جبل لبنان، وتداولت منصات التواصل مقاطع مصوّرة لمحتجين يرددون هتافات تضامن مع أهالي السويداء، فيما أظهرت مشاهد أخرى أعمال عنف استهدفت سيارات لسوريين.

في المقابل، شهدت مدينة طرابلس في شمال لبنان مسيرات مؤيدة للرئيس السوري أحمد الشرع.

ودان رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” النائب تيمور جنبلاط بشدة “أي اعتداء على المواطنين على الطرقات، أياً تكن جنسيتهم”.

أما رئيس الحكومة نواف سلام، فأطلق نداء لوقف التوتر، وأكد أنه تواصل مع الوزراء المعنيين وقادة الأجهزة الأمنية “لاتخاذ كل الإجراءات اللازمة لحماية المواطنين”.

في هذا السياق، يحذّر أبي المنى من “خطورة انتقال الفتنة إلى لبنان”، واصفاً الوضع بـ”الصعب للغاية في ظل حالة الغليان في الشارع”، وأعلن رفضه المطلق “لأي محاولة لاستغلال ما جرى في السويداء لإثارة الفتنة الطائفية على الساحة اللبنانية”.

ويضيف “إذا حصل أي تعدٍّ من شباب دروز على إخوتهم من الطائفة السنية، أو العكس، فالأمر مرفوض ومستنكر في الحالتين. وعلى الأجهزة الأمنية أن تتحمّل مسؤولياتها وتلاحق كل من يخلّ بالأمن”.

ويشير إلى “تواصل دائم وتفاهم راسخ مع شخصيات سنية، في مقدّمهم مفتي الجمهورية اللبنانية”، مشدّداً على “ضرورة التكاتف في هذه المرحلة لمنع التطرّف ودرء الفتنة، التي لا تعبّر عن حقيقة الطائفتين السنية والدرزية”.

وفي السياق، يعتبر بو دياب أن “المشكلة ليست شخصية مع أحمد الشرع، بل مع محاولته إعادة إنتاج نموذج أبو محمد الجولاني”.

يضيف “حين وضعت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والدول العربية أيديها في يد أحمد الشرع، فعلت ذلك بوصفه مشروعاً سياسياً قابلاً للحوار، لا امتداداً للجولاني. وإذا اختار اليوم العودة إلى سلوكياته القديمة، فسيتحوّل إلى خصم حتى في نظر من منحوه الفرصة”.


اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك لتصلك أحدث التقارير من الحرة

* حقل الزامي

اترك رد

https://i0.wp.com/alhurra.com/wp-content/uploads/2025/08/footer_logo-1.png?fit=203%2C53&ssl=1

تابعنا

© MBN 2025

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading