على غرار ما فعلة في محطات مماثلة، تحرّكت عجلة الدبلوماسبة العمانية في اتجاه اخماد نيران الخلافات التي اشتعلت أخيراً بين السعودية والإمارات، بعد غارة جوية شنتها مقاتلات “تحالف دعم الشرعية”، المدعوم من الرياض، على ميناء المكلا اليمني.
واجتمع وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان، اليوم، في الرياض، لمناقشة احتواء التصعيد في اليمن والتوتر بين الرياض وأبو ظبي.
وأوضحت وكالة الأنباء العمانية أن الاجتماع تناول الجهود المبذولة لاحتواء التصعيد وسبل معالجة جذور الأزمة في اليمن وتحقيق تسوية تراعي تطلعات اليمنيين والمصالح العليا للأمن الوطني لدول الجوار وباقي دول المنطقة”.
سبق هذا التحرك صدور بيان عن وزارة الخارجية العمانية، أمس الثلاثاء، حول التطورات في اليمن، دعت فيه إلى “ضبط النفس وتغليب صوت الحكمة” وإيجاد حلول سياسية توافقية في اليمن.
وتقوم المقاربة العمانية على ضرورة الحفاظ على وحدة وسيادة اليمن ورفض تحويله إلى ساحة صراع وتصفية حسابات بين أطراف داخلية أو خارجية، وهي مقاربة تحظى بـ”مباركة” الكثير من النخب والفاعلين العمانيين في الفضاء الرقمي.
الخلافات السعودية – الإماراتية
يتقاسم الخطاب الرسمي والتفاعل الشعبي في سلطنة عمان مع التطورات في اليمن العنوان نفسه: ضرورة التحرّك باتجاه البحث عن حلول وتفادي الانخراط في خطاب تصعيدي إزاء الأزمة القائمة بين السعودية والإمارات.
في هذا السياق، برزت تدوينة للكاتب زكريا المحرمي، على منصّة “إكس”، دعا فيها إلى “حقن الدماء وحفظ أواصر القربى” متمنياً خروج جميع القوات الأجنبية من الأراضي اليمنية، ووقف الدول الإقليمية تسليح الميليشيات، والاتجاه نحو عملية تفاوضية دبلوماسية ترعاها السعودية وسلطنة عُمان باعتبارهما دول الجوار اليمني.
ويتسم هذا الطرح باستبعاد دولة الإمارات من مسار رعاية العملية التفاوضية، وحصر هذا الدور في إطار سعودي – عُماني يُنظر إليه باعتباره الأكثر التصاقاً بتداعيات الأزمة اليمنية.
وبنبرة أقل حدة، قدّم الأكاديمي الدكتور عبد الله باعبود مقاربة تركز على البعد المؤسسي للخلافات الخليجية، مؤكدًا، في منشور على منصة “إكس”، أن الخلافات البينية بين دول الخليج لا ينبغي أن تؤثر في مسيرة مجلس التعاون، وداعيًا إلى إعادة النظر في النظام الأساسي للمجلس وتفعيل هيئة تسوية المنازعات.
ويتقاطع هذا الطرح مع ما أشار إليه الكاتب العُماني خميس بن عبيد القطيطي، في مقال نشرته صحيفة “الوطن” العُمانية، حين حذّر من أن “الرأي العام الخليجي بات غير قادر على تحمّل أيّ أخطاء أو أزمات جديدة بين الدول المتجاورة، لما تفتحه من شهية الإعلام الخارجي والجهات المستفيدة على تأجيجها، بما يراكم آثارًا سلبية خطيرة على العلاقات الخليجية”.
وبدوره، عكس الأداء الإعلامي الرسمي قدرًا واضحًا من التحفظ، إذ خلت صحيفتا “الرؤية العُمانية” و”عُمان” من أيّ تناول مباشر للخلاف، في انسجام لافت مع سياسة تهدف إلى خفض منسوب التوتر وعدم توسيع دائرة السجال.
حدود التفاعل العماني
لم تكن سلطنة عُمان بمنأى عن ارتدادات الأزمة اليمنية، لا سيما أن اسمها لطالما تردد على لسان بعض الشخصات أو الأطراف اليمنية في أوضات ومواضع مختلفة.
وفي هذا السياق، شدد خالد بن سالم الغساني، المستشار السابق في وزارة التراث والثقافة ومدير إدارة الثقافة في مجلس التعاون الخليجي، في مقال نشرته صحيفة “الرؤية” العمانية، على أن ذكر اسم منطقة صرفيت العمانية في أيّ خطاب تعبوي صادر عن أيّ طرف يمني، رسميًا كان أو غير رسمي، أمر مرفوض.
وأوضح الغساني، في مقاله: “حين يخرج عيدروس الزبيدي رئيس ما يُسمى المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، ليقول بوضوح من البحر الأحمر إلى البحر العربي شرقًا، إلى صرفيت، فإنَّ الأمر يتجاوز حدود البلاغة السياسية والتعبوية لأفراده ومناصريه، ويتحول إلى تطاول صريح على أرض عُمانية ذات سيادة كاملة، لا تقبل التأويل ولا المجاز ولا التساهل في الرد”.
ويفتح هذا الأمر الباب أمام تساؤلات أوسع بشأن موقع عُمان مما يجري في جنوب اليمن، خاصة في ظل تصاعد حدة الخلافات والمواجهات بين السعودية والمجلس الانتقالي.
وفي هذا الاتجاه، يرى الإعلامي العُماني حمد بن سعيد الصواعي، في حديث لموقع “الحرة”، أن ما يجري في جنوب اليمن يمكن فصله عن صراعات النفوذ والاقتصاد والممرات البحرية الممتدة من القرن الإفريقي إلى البحر الأحمر والخليج.
ويشير الصواعي إلى أن محافظتي المهرة وحضرموت “تمثلان نطاقًا بالغ الحساسية بالنسبة لسلطنة عُمان، حيث تشكل المهرة العمق الجيوسياسي والأمني الشرقي للسلطنة، وينظر إلى أي تحركات عسكرية أحادية في هاتين المحافظتين بوصفها تهديدًا لمناطق مستقرة وخروجًا عن إطار الدولة والشرعية”.
ويخلص الصواعي إلى أن “تعدد المسارات والأهداف لدى بعض الفاعلين اليمنيين أسهم في تعقيد المشهد وفرض أعباء إضافية على مسار الشرعية”.
الحياد العُماني على المحك
يرى الكاتب والباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية الدكتور محمد العريمي أن المرحلة الراهنة تمثل اختبارًا حقيقيًا للدور الذي عُرفت به سلطنة عُمان تاريخيًا كوسيط هادئ وفاعل في أزمات المنطقة.
ومع التصاعد المتزامن للتوترات في شرق اليمن وتداخل الملفات بين الحوثيين والمجلس الانتقالي وبقية الفاعلين الإقليميين، تجد مسقط نفسها أمام معادلة معقدة.
ويشير العريمي إلى أن “هذه الموازنة تقوم على الإبقاء على قنوات تواصل مفتوحة مع مختلف الأطراف، مع تجنب أيّ اصطفاف سياسي قد يزعزع موقع السلطنة كوسيط موثوق، وفي الوقت ذاته ضمان حماية أمن حدودها واستقرارها الداخلي، وهو ما يجعل الحفاظ على هذا الدور أكثر تعقيدًا في بيئة إقليمية شديدة السيولة”.
وما يزيد من تعقيدات المشعد بالنسبة لعمان، أن محافظة المهرة باتت في وضع تهيمن عليه قوى سياسية وعسكرية منظمة ذات ارتباطات إقليمية، بعدما بقيت لسنوات مجالًا لنفوذ عشائري منضبط.
وعند تناوله للمشهد في شرق اليمن، يلفت العريمي إلى أن “التباين بين المسارين السعودي والإماراتي يعكس اختلافًا في الرهانات الاستراتيجية أكثر مما يعكس تناقضًا مباشرًا في المواقف”.
سكينة المشيخص
كاتبة و باحثة و مقدمة برامج سعودية



