بوشهر.. المفاعل الجاثم على صدر الخليج!

الحرة's avatar الحرة2025-06-20

“قصفنا مواقع نووية، منها بوشهر على ساحل الخليج!”

بهذه العبارة أشعل متحدث عسكري إسرائيلي عاصفة سياسية وأمنية، دفعت إيران وروسيا والوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى الرد خلال ساعات.

إسرائيل نفسها تراجعت سريعًا: “كان من الخطأ” القول إن مفاعل بوشهر تعرّض للقصف، بحسب متحدث عسكري آخر.

المتحدث نفسه أكد استهداف مواقع نطنز وأصفهان وأراك النووية داخل إيران. لكن أحدًا لم يهتم كثيرًا، فهذه المواقع تُقصف منذ أيام.

إنما لماذا تحوّلت المسألة إلى عاصفة عندما تعلق الأمر ببوشهر؟ السرّ في كلمة واحدة: مفاعل.

مواقع نطنز وأصفهان هي في الواقع منشآت لتخصيب اليورانيوم، بينما يُعد مفاعل آراك صغيرًا نسبياً وموقعه في قلب إيران يقلّل من خطورته المحتملة.

“منشآت التخصيب لا تطلق إشعاعات”، تقول أندريا سترايكر، نائبة مدير برنامج منع الانتشار والدفاع البيولوجي في منظمة الدفاع عن الديمقراطيات، في تصريح للحرة.

ويوضح ريتشارد ويكفورد، الأستاذ الفخري لعلم الأوبئة في جامعة مانشستر، إن التلوث الناتج عن قصف هذه المنشآت سيكون “مشكلة كيميائية بالأساس”، وسيكون تأثيرها محليا.

أما قصف مفاعل نووي فمسألة مختلفة تمامًا. قد يؤدي، بحسب ويكفورد، إلى تسرب إشعاعي إما عبر سحب هوائية أو إلى البحر مباشرة.

جيمس أكتون، المدير المشارك لبرنامج السياسات النووية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، يحذر بلهجة صارمة: الهجوم على بوشهر “قد يسبب كارثة إشعاعية كاملة”.

أندريا سترايكر تكرر العبارة نفسها، “كارثة إشعاعية”، لكنها تستبعد أن تقوم إسرائيل باستهداف المفاعل. “الإسرائيليون يعرفون ذلك”، تقول بجزم.

ما هو مفاعل بوشهر؟

مفاعل بوشهر هو المفاعل النووي الوحيد الذي يُنتج الكهرباء داخل إيران. يقع مباشرة على سواحل الخليج، وهو أول مفاعل مدني نووي في تاريخ البلاد.

بدأت ألمانيا تشييده في منتصف السبعينات. لكن بعد سقوط الشاه ونهاية الحرب العراقية الإيرانية، تولت روسيا استكمال المشروع.

دخل المفاعل الخدمة عام رسميا عام 2011، وهو يُدار من قبل مهندسين إيرانيين، لكن لروسيا وجود بارز فيه: حوالي 600 موظف روسي، بينهم 250 يعملون بشكل دائم.

يستخدم المفاعل أيضا الوقود الروسي الذي تستعيده موسكو بعد استنفاده، مما يقلل من خطر الانتشار النووي.

مباشرة بعد التصريحات الإسرائيلية “الخاطئة” حول استهداف بوشهر، طالبت الخارجية الروسية بوقف “فوري” لأي هجمات جوية على المحطة. بوتين نفسه سبق أن أكد أن إسرائيل تعهّدت لروسيا بضمان سلامة الموظفين الروس.

إيران هي الأخرى سارعت إلى الإعلان عن تفعيل الدفاعات الجوية في بوشهر.

أما الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فاعتبرت أن تصريحات إسرائيل تؤكد الحاجة إلى “معلومات دقيقة وواضحة”.

الجيران في الخليج يراقبون بقلق

بالنسبة للعرب على الضفة الأخرى من الخليج، لم يكن بوشهر يوماً منشأة عادية. بل تهديدا دائما. فبوشهر يقع على مرمى حجر من مصدر مياههم الأساسي: الخليج.

رئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قال في مارس الماضي إن أي هجوم على المنشآت النووية الإيرانية سيلوث مياه الخليج بالكامل ويهدد الحياة في قطر والإمارات والكويت.

آل ثاني قال جازما إن الخليج سيبقى “بلا ماء، ولا سمك، ولا شيء… بلا حياة”.

تعتمد هذه الدول بالكامل تقريباً على تحلية مياه الخليج. في الإمارات مثلا، تغطي المياه المحلاة أكثر من 80 في المئة من حاجات الشرب. أما في البحرين، فالاعتماد كلي على المياه المحلاة منذ 2016.

قطر كذلك تعتمد بشكل كامل على تحلية المياه.

أما السعودية، أكبر دولة خليجية، فتعتمد بنسبة 50 في المئة على المياه المحلاة منذ 2023.

أسوأ سيناريو تتخوّف منه هذه الدول هو تلوث الخليج بسبب أي تسرب نووي من بوشهر.

ورغم أن بعض الدول، مثل السعودية وسلطنة عمان، يمكنها تحلية المياه من بحار أخرى (البحر الأحمر وبحر العرب)، فإن دولاً كقطر والبحرين والكويت لا تملك هذا الخيار.

نضال هلال، مدير مركز أبحاث المياه في جامعة نيويورك أبوظبي، يقول إن تسبب أي كارثة أو تسرّب أو هجوم موجه في تعطيل محطات التحلية، سيحرم مئات الآلاف من المياه العذبة فورًا تقريبا.

ويضيف: “محطات تحلية المياه الساحلية معرضة بشكل خاص للمخاطر الإقليمية مثل تسرب النفط والتلوث النووي المحتمل”.

تدرك دول الخليج الأمر تماما. وقد ضعت منذ سنوات، بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خطة طوارئ لأي حادث نووي محتمل.

لكن الخوف لا يأتي فقط من هجوم عسكري، بل من الأرض ذاتها. فمفاعل بوشهر يقع في منطقة زلزالية نشطة.

في عام 2013، هز زلزال بقوة 6.1 درجات منطقة قريبة من المفاعل، ما أثار قلق دول الخليج. في المقابل، إيران تُصرّ أن تصميم المفاعل يتحمل زلازل حتى 8 درجات.

في أعين طهران، مفاعل بوشهر هو رمز “سلمية” برنامجها النووي. وهي حاليا تبني مفاعلين إضافيين في نفس الموقع، ما سيُضاعف قدرة المحطة النووية ثلاث مرات.

لكن كل هذا لا يُطمئن جيران إيران الذين يتخوفون من أي حادث قد يضر سلامة المفاعل.

اليوم، ما زال المفاعل يعمل بهدوء، فيما يبدو أن الأنباء عن استهدافه كانت “خاطئة”. لكن المنطقة بأكملها تراقبه بأنفاس محتبسة.

فكل ما يتطلبه الأمر… حادثة واحدة، طبيعية أو مفتعلة، ليتحوّل “الإنجاز” العلمي الإيراني إلى كارثة إقليمية.


اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك لتصلك أحدث التقارير من الحرة

* حقل الزامي

اترك رد

https://i0.wp.com/alhurra.com/wp-content/uploads/2025/08/footer_logo-1.png?fit=203%2C53&ssl=1

تابعنا

© MBN 2025

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading