خلال هذا الأسبوع، أعلنت السلطات السورية عن سلسلة مداهمات وعمليات أمنية في دمشق، إدلب، حلب والبادية السورية، أسفرت عن اعتقال خلايا مرتبطة بتنظيم “داعش” الإرهابي، وضبط أسلحة، طائرات مسيّرة انتحارية، أحزمة ناسفة ومواد متفجرة.
كما تزامن ذلك مع هجمات دامية تبناها التنظيم أو نُسبت إليه، أبرزها استهداف دوريات أمنية في إدلب، و”هجوم تدمر” الذي أسفر عن مقتل جنديين أميركيين ومترجم أميركي.
وفي المقابل، نفذت القوات الأميركية، الخميس، عمليتان ضد عناصر في التنظيم، الأولى قرب الحدود العراقية بمشاركة قوات عراقية وسورية، والثانية قرب مدينة الرقة.
وفقا لخلية الإعلام الأمني الحكومية العراقية، فقد أسفرت العملية الأولى عن اعتقال “هدفين مهمين مطلوبين للقضاء العراقي” بعد تنفيذ إنزال جوي شمال شرقي سوريا “بالتنسيق مع الجانب السوري ودعم التحالف الدولي”.
أما العملية الثانية، فقد جرت في أطراف مدينة الرقة ونفذتها قوات أميركية وأسفرت عن مقتل قيادي في التنظيم واعتقال آخر، وفقا لمدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن في حديثه لـ”الحرة”.
ولم تعلن القوات الأميركية حتى ساعة إعداد هذا التقرير عن تفاصيل بشأن العمليتين.
كل هذه المؤشرات المتزايدة عن عودة نشاط “داعش” في سوريا تطرح العديد من التساؤلات بشأن أسباب ذلك، خريطة انتشاره الحالية في سوريا، قدراته الفعلية، وحدود قدرة الحكومة السورية الجديدة وحلفائها على احتواء التهديد.
“تواجه الحكومة السورية الحالية أكبر تحدياتها من جانب داعش في وسط وشرق البلاد، حيث يبقى نفوذها الأمني على المستوى المحلي هشّا ومحدوداً” يقول المحلل في معهد نيو لاينز نيك هيراس لـ”الحرة”.
ويشير تقرير صادر عن فريق الدعم التحليلي ورصد العقوبات التابع لمجلس الأمن الدولي في يوليو الماضي إلى أن التنظيم ما زال يحتفظ بقدرة بشرية وتنظيمية مؤثرة في سوريا، إذ يُقدَّر عدد مقاتليه بنحو 3 آلاف عنصر موزعين بين سوريا والعراق، مع وجود حوالي 400 مقاتل نشطين في شمال وشرق سوريا حيث يتركز نشاطهم ضد قوات سوريا الديمقراطية.
إضافة إلى ذلك، يقول التقرير إن الآلاف من عناصر التنظيم لا يزالون محتجزين في السجون، بينما يشكّل وجود النساء والأطفال المرتبطين به في مخيم الهول عاملاً مستمراً لإعادة إنتاجه. كما استفاد “داعش” من إطلاق سراح أكثر من 500 معتقل عقب انهيار نظام الرئيس السابق بشار الأسد، ومن حوادث فرار من السجون، ما ساعده على إعادة رفد صفوفه بالمقاتلين.
جغرافيًا، ما تزال بادية سوريا تشكّل الملاذ الرئيسي للتنظيم، رغم الضربات الجوية والعمليات الأمنية، حيث أعاد “داعش” تنظيم خلاياه هناك، وانطلق منها للتوسع مجدداً وفقا للتقرير، الذي يشير كذلك إلى أن التنظيم وسّع نشاطه السري إلى مناطق مأهولة بالسكان قرب دمشق، وفي ريفي حلب وحمص، إضافة إلى الجنوب السوري، بما في ذلك السويداء ودرعا وتلول الصفا، حيث يعتمد في هذه المناطق على خلايا صغيرة متنقلة وشبكات تهريب لتسهيل الحركة والتمويل.
كذلك يقول التقرير إن التنظيم يستفيد من الهشاشة الأمنية والتفكك السياسي وتعدد القوى المسلحة، محاولًا تأجيج التوترات الطائفية وتجنيد مقاتلين ساخطين، بمن فيهم عناصر سابقون في النظام ومقاتلون أجانب.
“بعد أن خسر داعش آخر معاقله في سوريا في 2019، تحوّل إلى حركة سرّية تعمل تحت الأرض، تختبئ في بلدات صغيرة في البادية قرب نهر الفرات، وبدأ تدريجيّا بترهيب القرى المحلية والمجتمعات المعزولة وابتزازها مالياً”، يقول كبير الباحثين في المجلس الأطلسي توم واريك.
“مع سقوط نظام الأسد، حاول داعش الاستفادة من انشغال دمشق بترسيخ سلطتها في المناطق الأكثر كثافة سكانية في غرب سوريا، وكغيره من التنظيمات الإرهابية، يستفيد داعش من الفراغات والمناطق غير المحكومة أو ضعيفة الحكم في شرق سوريا” يضيف واريك لـ”الحرة”.
والأربعاء، أعلنت القيادة المركزية الأميركية، في بيان، أنها وبالتعاون مع شركائها في سوريا نفذت نحو 80 عملية عسكرية منذ يوليو استهدفت عناصر إرهابية، في مقدمتها فلول تنظيم “داعش”، وأسفرت خلال الأشهر الستة الماضية عن اعتقال 119 إرهابياً ومقتل 14 آخرين.
وأكد البيان أن هذه العمليات عطّلت جهود التنظيم لإعادة بناء قدراته، خاصة في ظل تورطه في ما لا يقل عن 11 مخططاً أو هجوماً ضد أهداف داخل الولايات المتحدة خلال العام الماضي.
وأشار البيان إلى تنفيذ عمليات نوعية ضد قيادات بارزة في “داعش”، أدت إلى مقتل عمر عبد القادر في مداهمة خلال سبتمبر، وضياء زوبع مصلح الحرداني ونجليه في عملية بمدينة الباب شمالي سوريا في يوليو، لكونهم يشكلون تهديداً مباشراً للقوات الأميركية وشركائها والحكومة السورية.
كما نفذت قوات التحالف بالتعاون مع وزارة الداخلية السورية عمليات في جنوب سوريا أدت إلى تدمير مخابئ أسلحة ومصادرة كميات كبيرة من الذخائر والمتفجرات.
ومع ذلك يرى رامي عبد الرحمن أنه “من الصعوبة مواجهة داعش من قبل الحكومة السورية، باعتبار أن الكثير من عناصره أو ممن يحملون أفكاره انضموا لقوات الأمن العام من دون أن يتم التدقيق في خلفياتهم”.
“كذلك اسهمت التوترات الطائفية في تغذية التنظيم وازدهاره، بالإضافة لوجود بيئة حاضنة خصبة لأفكارهم” يقول عبد الرحمن.
ومع ذلك يعتقد واريك أن “حكومة الشرع أحرزت تقدماً ملحوظاً في هذا المجال، لكنها تواجه تحديات عديدة، في مقدمتها مسألة توحيد المكونات العرقية والدينية في سوريا”، مضيفا إن جهود الدول العربية والولايات المتحدة يمكن أن تسهم بدور داعم في هذا المسار”.

غسان تقي
صحفي متخصص في الشؤون العراقية، يعمل في مؤسسة الشرق الأوسط للإرسال MBN منذ عام 2015. عمل سنوات مع إذاعة "أوروبا الحرة" ومؤسسات إعلامية عراقية وعربية.


