عادوا إلى الواجهة عبر السويداء.. العشائر في المعادلة السورية

الحرة's avatar الحرة2025-07-16

مساء السبت الماضي، بينما كان التاجر الدرزي فضل الله دوارة يقود شاحنته المحمّلة بالخضار عائدا إلى مدينة السويداء، لم يكن يتوقع أن تكون رحلته بداية دوامة من العنف في جنوب سوريا.

عند أحد الحواجز الأمنية، غير الرسمية، التي أقامها مسلحون من عشائر البدو، اختطِف دوارة.

نهب المسلحون شاحنته ومبلغا يقارب 700 دولار. احتجزوه لساعات، ثم أطلقوا سراحه.

لم يتأخر الرد كثيرا. اختطف مسلحون دروز عددا من أبناء العشائر البدوية. قابلهم البدو بالمثل واختطفوا عشرة أشخاص من الدروز.

هذه ليست المرة الأولى التي ينفذ فيها مسلحون عشائريون حادثة سلب على طريق دمشق – السويداء، لكن حادثة ليلة السبت تحوّلت خلال ساعات قليلة إلى مواجهات مسلحة خلّفت عشرات القتلى.

وضعت المدينة والبلاد المضطربة أصلا على حافة الانفجار.

حاولت قوات تابعة للحكومة التدخل لاحتواء الاشتباكات، لكن الأمور خرجت عن السيطرة. وقيل إن ستة من أفراد الأمن العام قتلوا على أيدي مسلحين دروز.

لا تزال العلاقة بين السلطات الجديدة في دمشق والدروز هشة منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024.

ظلت مدينة السويداء، المعقل الرئيسي للطائفة الدرزية في سوريا، دائما خارج سلطة دمشق.

في أبريل الماضي، اندلعت اشتباكات دامية بين قوات الأمن ومسلحين دروز في بلدتي جرمانا وصحنايا قرب دمشق. قُتل فيها قرابة 120 شخصا.

في تلك المواجهات أيضا، شارك مسلحون من العشائر إلى جانب قوات الأمن.

عقب هذه الأحداث، توصل الدروز ودمشق إلى اتفاق تهدئة كان أحد بنوده الرئيسية تأمين الطريق المؤدية إلى السويداء، مع استمرار توتر العلاقات بين الدروز والعشائر.

في المواجهات الحالية أيضا، تحالفت عشائر البدو مع قوات الأمن ضد من وصفتهم دمشق بـ”المجموعات الخارجة عن القانون،” في إشارة إلى المسلحين الدروز. ودخل الجيش السوري مدينة السويداء الثلاثاء لأول مرة منذ سقوط الأسد.

وتشن إسرائيل غارات على مواقع للقوات السورية في السويداء، ومواقع في دمشق وإدلب. وتعهدت بحماية الدروز وسط اشتعال النزاع على حدودها الشمالية.

وخلال ثلاثة أيام فقط، تحوّلت حادثة اعتراض شاحنة خضار نفذها مسلحون من العشائر إلى مواجهات دامية، قد تتطور إلى حرب أهلية تنذر بامتداد إقليمي أوسع.

في الشمال.. سلاح ضد قسد؟

لا يقتصر الحضور السياسي والعسكري للعشائر العربية في سوريا على محافظة السويداء أو مناطق الجنوب فقط.

في شمال شرق سوريا، دخلت العشائر العربية في مواجهات شبيهة مع “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية في صيف 2023، عقب اعتقال “قسد” لقائد عسكري عشائري كبير. وسرعان ما تطورت الاحتجاجات إلى مواجهات مفتوحة.

وذكرت تقارير أن عشائر “البكير” و”العگيدات” تمكنت في إخراج “قسد” من مناطق شاسعة في دير الزور، قبل أن تمتد المواجهات إلى الرقة والحسكة وأرياف حلب.

حتى الآن، لا تزال العلاقة متوترة بين قسد وعدد من العشائر العربية في شمال شرق سوريا.

قبل أيام قليلة، أصدر شيوخ ووجهاء عشائر في محافظات دير الزور والحسكة والرقة بياناً موجّهاً إلى قيادة التحالف الدولي، وعلى رأسها الولايات المتحدة، طالبوا فيه بوقف الدعم العسكري والسياسي المقدّم لقوات سوريا الديمقراطية.

لا يستبعد فيصل الرقاد، الباحث في شؤون العشائر، اصطفافها في شمال شرقي سوريا إلى جانب دمشق في أي نزاع مع قسد مستقبلا، خاصة أن تنفيذ اتفاق الاندماج بين قسد وحكومة الشرع، لا يزال متعثرا.

ويقول مهند الگاطع، وهو أيضا باحث في شؤون العشائر، إن تدهور العلاقة بين قسد والعشائر العربية أفقد القوات الكردية قدرتها على “استخدام وجهاء العشائر كغطاء شرعي”، بحكم أن مناطق سيطرتها “يقطنها العرب بنسبة تفوق 90%”.

“كثير من الذين ظهروا سابقاً كداعمين لها من وجهاء القبائل غادروا المشهد أو حتى مناطق سيطرتها”، يقول.

اصطفاف العشائر مع خصوم “قسد”، إن حصل، لن يكون سابقة. ففي السنوات الماضية، تحالفت عشائر عربية في شمال شرق سوريا عدة مرات مع نظام بشار الأسد ضد “قسد”.

“استخدم نظام بشار بعض شيوخ العشائر كقادة في تشكيلات ميلشيات الدفاع الوطني أو تلك المدعومة من إيران. لم يكن ذلك دون مقابل، بل لقاء رواتب ودعم أيضاً بعضه من النظام وبعضه من إيران”، يقول الگاطع.

الباحث السوري يوضح أن العشائر كثيرًا ما نسجت تحالفاتها بناءً على تغير موازين القوى على الأرض، في محاولة للبقاء والتكيّف، تمامًا كما تفعل بقية الجماعات المسلحة.

قصة نواف البشير، شيخ عشيرة “البقارة” تمثل المثال الأبرز.

في بدايات الثورة السورية، انحاز البشير بقوة إلى صفوف المعارضة، حتى أنه اعتُقل بسبب مواقفه. آنذاك، خرجت مظاهرات تهتف باسمه فيما عُرف بـ”ثلاثاء الوفاء لنواف البشير”. وبعد إطلاق سراحه، غادر إلى تركيا، وواصل نشاطه المعارض، داعيًا إلى إسقاط النظام وتسليح الجيش الحر.

لكن البشير قلب الطاولة في عام 2016، حين عاد بشكل مفاجئ إلى دمشق، وقدم اعتذارًا علنيًا للنظام، معتبرًا مواقفه السابقة “سوء تقدير”.

لم يكتف البشير بتغيير موقفه، بل هاجم المعارضة، وأسس لاحقًا ميليشيا موالية للنظام حملت اسم “فيلق أسود عشائر سوريا”، شاركت في القتال إلى جانب قوات النظام ضد “قسد”.

 دمشق وسياسة احتواء العشائر

في مرحلة ما بعد الأسد، سارعت السلطة الجديدة في دمشق، بقيادة أحمد الشرع إلى إعادة نسج علاقتها مع العشائر. وبعد أيام فقط من سقوط النظام، التقى الشرع بعدد من زعماء القبائل في العاصمة.

حضرت القبائل الحوار الوطني الذي أطلقته السلطات الجديدة في فبراير الماضي.

في المقابل، ومع اندلاع المواجهات في السويداء، لم تتردد بعض العشائر في إعلان انحيازها لدمشق. إذ دان “مجلس القبائل والعشائر السورية” ما وصفها “الجرائم النكراء” التي ارتكبتها “المجموعات الخارجة عن القانون في محافظة السويداء”.

ودعا المجلس الجيش السوري إلى “ضرب هذه العصابات بيد من حديد”.

التحالف مع العشائر ليس جديدا بالنسبة للشرع.

في أيامه على رأس “هيئة تحرير الشام”، اعتمد الشرع “الجولاني آنذاك” مقاربة مرنة تجاه القبائل.

في إدلب، شكلت هيئة تحرير الشام “مجلس القبائل والعشائر”، عام 2018. ضم أكثر من 125 شخصية عشائرية.

وأعادت الهيئة أيضا إحياء”العرف” العشائري كوسيلة لإدارة المجتمعات المحلية، بما في ذلك حلّ النزاعات، كما شكلت “مجلس الصلح العام لحل الخلافات المجتمعية والعشائرية.

نظام الأسد نفسه سعى إلى احتضان بعض العشائر، مع انطلاق الاحتجاجات، لمواجهة تصاعد المعارضة في تلك المرحلة.

لم يكن هذا معتادا قبل 2011. كانت العشيرة تعاني تهميشا مطلقا.

“أقصى طموح لشيخ العشيرة آنذاك كان الحصول على عضوية شكلية في مجلس الشعب، تُستخدم لإظهار اللحمة الوطنية الشكلية، لا أكثر”، يقول الگاطع.

ويقول فيصل الرقاد: “عندما كنا ندرس في الثمانينيات، كانوا يقولون لنا في الكتب المدرسية إن نسبة العشائر لا تتعدى 3 بالمئة” من الشعب السوري. لكن الباحث السوري يعتقد أن نسبة العشائر تصل إلى 60 في المئة.

مع انطلاق الاحتجاجات عام 2011، وانخراط أعداد كبيرة من أبناء العشائر في صفوف المعارضة، سارع بشار الأسد إلى عقد اجتماعات مع زعماء القبائل لاحتوائهم.

استجاب بعضهم، وانخرطوا في تشكيل ميليشيات موالية للنظام، أبرزها “قوات الدفاع الوطني”.

“النظام استمر في عقد اللقاءات العشائرية تحت ما عُرف بخيمة الوطن، جامعاً بعض شيوخ العشائر الموالين لإظهار أن العشائر مع الدولة، في محاولة لخلق انطباع بأن الحواضن التقليدية لا تزال تقف مع النظام”، يقول الگاطع.

مع ذلك، يشدد الكاطع أنه لا يمكن اتهام أي عشيرة بأنها وقفت بكاملها مع هذا الطرف أو ذلك. “ما يجب فهمه بدقة أن العشيرة لم تعد تشكل كتلة واحدة متراصة يمكن تحريكها بمجرد إعلان موقف شيخها، بل بات أبناء العشائر أنفسهم منقسمين بين مختلف القوى”.

بدوره، يقول الرقاد إن الكثير من أبناء العشائر في مناطق النظام وجدو أنفسهم محاصرين بين خيارات قاسية: “السجن في صيدنايا، أو الجوع، أو الالتحاق بجيش النظام السوري.

هؤلاء عاد جزء منهم إلى “حضن الوطن”، يضيف الرقاد، فيما ” ينتظر الباقون الفرصة السانحة للعودة، لأن البديل هو “القتل”.

تركيا.. العشائر حائط صد؟

تدرك تركيا، بدورها، أهمية ورقة العشائر في المشهد السوري، وتستخدمها في مواجهتها المستمرة مع “قوات سوريا الديمقراطية”.

مباشرة بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، دفعت تركيا بالفصائل المنضوية تحت لواء “الجيش الوطني السوري”، الذي تدعمه، للسيطرة على تل رفعت ومنبج. كان الهدف هو وقف نفوذ الفصائل الكردية في شمال سوريا، ولا سيما قوات سوريا الديمقراطية.

كثير من المجموعات المسلحة المدعومة من أنقرة، والتي شكلت الجيش الوطني السوري عام 2017، ينتمي أبناؤها إلى عشائر عربية.

محمد الجاسم (أبو عمشة)، قائد فرقة السلطان مراد، مثلا ينحدر من عشيرة الجملان. أما أبو حاتم شقرة، واسمه أحمد إحسان فياض الهايس، قائد فصيل “أحرار الشرقية”، فينحدر من عشيرة البقاوة.

إضافة إلى دعم الفصائل المسلحة، احتضنت تركيا أيضا تأسيس “مجلس القبائل والعشائر السورية”، في ديسمبر 2018. وضم 150 عشيرة وقبيلة من مختلف العرقيات السورية. المجلس نفسه هو الذي أصدر قبل يومين بيانا يدعم دمشق في مواجهاتها مع المسلحين الدروز.

أنقرة قامت أيضا، منذ عام 2016، برعاية “جيش العشائر الشرقية”، الذي تأسس في مدينة شانلي أورفة التركية، للتصدي لحزب “الاتحاد الديمقراطي”، الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، في المناطق التي أعلن حكمه الذاتي عليها. جيش العشائر أعلن يومها أنه “سيواصل مهامه حتى القضاء على حزب الاتحاد الديمقراطي”.


اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك لتصلك أحدث التقارير من الحرة

* حقل الزامي

اترك رد

https://i0.wp.com/alhurra.com/wp-content/uploads/2025/08/footer_logo-1.png?fit=203%2C53&ssl=1

تابعنا

© MBN 2025

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading