“التوتر العالي” بين مصر ولبنان

لم تكن “محاولة منع أيّ تصعيد إسرائيليّ محتمل في لبنان”، العنوان الوحيد للتحركات المصرية الأخيرة بشأن هذا البلد، فقد طرقت مصر أخيراً باب التعاون الاقتصادي مع لبنان في مجالات عدة، أبرزها قطاع الطاقة والكهرباء.

ويشير ذلك إلى أهم أسباب الزيارة التي قام بها رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى بيروت، الأسبوع الماضي، والتي سبقتها زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في 26 نوفمبر إلى لبنان، ولقاءات مدير المخابرات العامة المصرية حسن رشاد مع المسؤولين اللبنانيين أواخر أكتوبر.

وخلال لقائه برؤساء الجمهورية جوزاف عون ومجلس النواب نبيه بري والحكومة نواف سلام في بيروت، شدد مدبولي على أن لبنان يمر بمرحلة مليئة بالتحديات، لكنها تفتح في الوقت ذاته آفاقاً حقيقية لإعادة البناء، مؤكداً أن التجربة المصرية في تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي شامل خلال السنوات الماضية تمثل نموذجاً عمليّاً لإمكانية التعافي.

وعلى صعيد العلاقات التجارية، أوضح مدبولي أن حجم التبادل التجاري بين مصر ولبنان شهد نمواً خلال السنوات الأربع الأخيرة، متجاوزاً حاجز المليار دولار في عام 2024، لكنه لا يزال دون مستوى الطموحات والإمكانات المتاحة لدى البلدين، ما يستدعي العمل على إزالة المعوقات وتعزيز التكامل الاقتصادي.

وكان رئيس الوزراء اللبناني قد زار القاهرة الشهر الماضي، حيث جرى التوقيع على 15 اتفاقية تعاون بين البلدين في مجالات متعددة، شملت التجارة والاستثمار، والأمن الغذائي وسلامة الغذاء، والكهرباء والطاقة المتجددة، والصناعة، والبترول والغاز، إلى جانب إعادة الإعمار.

ويشكل قطاع الطاقة، ولاسيما الكهرباء، أحد أهم حقول التعاون المرتقب بين مصر ولبنان، لكن إقامة ونجاح المشاريع الكبرى المشتركة في هذا المجال يتطلّب تذليل عدد من العقبات.

“التعاون الطاقوي”

تبدي القاهرة اهتماماً بالتعاون مع بيروت في هذا القطاع الحيوي، سواء من خلال دعم مشروعات الكهرباء التقليدية، أو التوسع في الطاقة الجديدة والمتجددة، استناداً إلى الخبرات التي تمتلكها مصر في إنتاج الطاقة، وإدارة الشبكات، وتنفيذ مشروعات الطاقة النظيفة. ويُنظر إلى هذا التعاون باعتباره ركيزة أساسية لتحسين البنية التحتية اللبنانية، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، وخفض كلفة الإنتاج على القطاعات الصناعية والخدمية.

كما اكتسب ملف إعادة الإعمار، لا سيما في جنوب لبنان، أولوية في المرحلة الراهنة، في ظل الاحتياجات الملحّة لمشروعات البنية التحتية والكهرباء والمياه والطرق والاتصالات، إلى جانب رغبة الشركات المصرية في القيام بدور فاعل في تنفيذ هذه المشروعات.

وفي هذا السياق، لفت الدكتور بيار الخوري، الخبير الاقتصادي اللبناني، في حديثه لـ”الحرة”، إلى أن فرص تعزيز الشراكات بين البلدين لا تزال واسعة، نتيجة التكامل النسبي بين الاقتصاد المصري القائم على وفورات الحجم والقدرة الإنتاجية، والاقتصاد اللبناني القائم على الخدمات والموارد البشرية والخبرة القطاعية.

وأضاف الخوري إن آليات الاتفاقيات المشتركة في قطاعي الغاز والكهرباء تقوم على نماذج ثنائية أو ثلاثية عبر قنوات حكومية مباشرة أو من خلال الشركات الوطنية، بإشراف تقني ومالي دولي، وترتكز على عقود توريد أو عبور طويلة الأجل. واعتبر أن هذا المسار يعزز دور مصر كمركز إقليمي للطاقة، ويمنح لبنان مصدراً منظّماً نسبياً يخفف الضغط عن المالية العامة ويعيد انتظام الدورة الاقتصادية.

تحديات وفرص مستقبلية

يعاني لبنان من أزمة كهرباء مستمرة منذ سنوات بسبب الإنكماش الاقتصادي وتآكل القدرة الإنتاجية. كما تعاني شبكات الكهرباء وخطوط “التوتر العالي” في لبنان من الترهّل وضعف عمليات الصيانة، وهو ما يصعّب “عمليات الربط” أو استيراد لبنان للكهرباء من مصر أو أيّ دولة إقليمية أخرى.

وتبرز هذه المعطيات، بنظر مراقبين، أهمية الشراكات التي يمكن للبنان إقامتها مع شركات دول إقليمية من أجل الاستفادة خبراتها وإمكانياتها لحل الأزمة.

وفي هذا الإطار، قال الخبير الاقتصادي المصري الدكتور محمد أنيس لـ”الحرة”، إن زيارة مدبولي تؤكد أهمية ملف الطاقة اللبناني، إلى جانب أنها “تحمل بعداً سياسيّاً”.

وأوضح أن هذا التحرك يأتي في إطار الدعم المصري المباشر لهذا القطاع.

وأكد أنيس أن “مصر لا تنظر إلى التعاون في هذا الملف من زاوية تحقيق هامش ربح، بقدر ما تستهدف مساعدة لبنان على استعادة عافيته في قطاع الطاقة”، لافتاً إلى أن الدعم المصري، مهما بلغ، يبقى محدوداً مقارنة بحجم الأزمة اللبنانية.

من جانبه، أكد الدكتور باسم البواب، الخبير الاقتصادي اللبناني، في حديثه لموقع “الحرة”، أن “التعاون الاقتصادي بين مصر ولبنان يُعد ضرورة ملحّة وملف الطاقة والغاز يُعد من أهم مجالات الشراكة، في ظل وجود رغبة حقيقية في تعاون استراتيجي، لا سيما أن لبنان يمتلك موارد نفطية وغازية واعدة يمكن أن تشكل أساساً لشراكة بترولية مع مصر”. كما شدد على أن التغيرات الإقليمية، ومنها الوضع في سوريا، قد تفتح آفاقًا جديدة لشراكات اقتصادية تخدم مصلحة البلدين.

وفي سياق متصل، وقّع لبنان مع قبرص، الشهر الماضي، اتفاقاً لترسيم الحدود البحرية، تسعى بيروت من خلاله إلى فتح المجال أمام التنقيب عن حقول الغاز البحرية وتعزيز التعاون في مجال الطاقة في شرق المتوسط.

وفي هذا الصدد، أكد أنيس أن الاتفاقيات الخاصة بترسيم الحدود تتيح لمصر الدخول في شراكات ضمن حدود إمكاناتها، إلى جانب تقديم الدعم الفني والمهام المساندة بما يخدم مصالح لبنان ويسهم في تطوير قطاع الطاقة لديه.

وشدد الخبير بيار الخوري على أن إصلاح قطاع الكهرباء اللبناني، الذي يعد أحد أكبر مصادر الاستنزاف المالي، بات ضرورة لا تحتمل التأجيل. وخلص إلى أن التعاون الاقتصادي بين مصر ولبنان، لا سيما في قطاع الطاقة، لا يمكن فصله عن مسار إصلاحي داخلي يعيد تعريف دور الدولة اللبنانية من ممول عاجز إلى منظم فعّال.

وإلى أن يتمّ ذلك، تبقى فرص التعاون في مجال الطاقة بين مصر ولبنان كبيرة، لكن الاستفادة منها إلى الحد الأقصى عبر مشاريع منتجة تحتاج إلى متابعة وجهود إضافية، مدعومة بتحسّن الظروف الأمنية والسياسية في لبنان والمنطقة.


اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك لتصلك أحدث التقارير من الحرة

* حقل الزامي

اترك رد

https://i0.wp.com/alhurra.com/wp-content/uploads/2025/08/footer_logo-1.png?fit=203%2C53&ssl=1

تابعنا

© MBN 2025

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading