هل يوجد حد الرجم في الإسلام حقا؟

هل هناك حقاً عقوبة تسمى “حد الرجم” للزاني والزانية في الإسلام؟ هل هذا الحد موجود في الإسلام أصلاً؟ الحقيقة أن هذا الحد موجود فقط في شرائع هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم قيمين على الإسلام منذ مئات السنين. هؤلاء هم الذين اعتبروا أن حد الرجم للزنا هو حد إلهي وضعه الله سبحانه وتعالى وأقره، واعتمده النبي، وأنه من المفروض أن الزاني والزانية المحصنين -والمحصن هنا يعني المتزوج- إن ارتكبا فحش الزنا، فيتم رجمهما حتى الموت.

أنا كمسلم، لا يمكنني على الإطلاق أن أصدق أن الله سبحانه وتعالى يسمح بالقتل بهذه الطريقة الوحشية. دينيا، هذه العقوبة في الأصل كانت عقوبة يهودية. الرجم لم يخترعه الإسلام، ولم يخترع أي عقوبة من أي نوع، سواء الجلد أو قطع اليد. وهنا يجب توضيح أن “قطع اليد” ليس معناه البتر كما يروج البعض، بل قطع اليد يعني جرحها، تماماً كما يحدث جرح بسيط وأنت تحلق ذقنك أو وأنتِ تقطعين الطماطم في المطبخ.

في المحصلة، لا يوجد أي حد مما يطلقون عليها “حدود الله” قد اخترعه أو وضعه الإسلام فقط، أو ظهر مع بداية الإسلام. الحكاية كلها كانت إقراراً لحدود كانت موجودة بالفعل في اليهودية وحتى في الجاهلية. هذا هو الجانب التاريخي، أما الجانب النصي، وهو الأهم؛ فلا يوجد رجم في القرآن، ولا توجد آيات للرجم في كتاب الله على الإطلاق.

أسطورة “الماعز”

هؤلاء الذين يحاولون الالتفاف على غياب الرجم في القرآن بقولهم إن الآية كانت موجودة ثم أكلتها “ماعز”، فهذا الكلام لا ينتقص فقط من عظمة وجلال الله وحفظه للقرآن، بل هو كلام يتلاعب بالعقل المسلم ويتعامل معه كأنه طفل تافه لا يفهم ولا يعي. هذا القول يحقر من الفكرة العظيمة الخاصة بإعلاء قيمة العقل في الإسلام. لماذا يتصورون أن ربنا سبحانه وتعالى لم يستطع أن يحفظ آية من آياته فأكلتها ماعز؟ ما هذا العبث؟

الحقيقة القاطعة هي أنه لا يوجد على الإطلاق في القرآن ما يسمى بحد الرجم تماماً. إذاً، من أين جلبوا هذا الحد؟ لقد جلبوه من “المدونة الفقهية” التي اخترعوها هم. لذلك تجدهم يقولون لك دائماً “الشريعة الإسلامية”، بينما في الواقع لا يوجد شيء اسمه الشريعة الإسلامية؛ إنما هي مجموعة من الأحكام استخلصها مجموعة من الناس في زمن من الأزمان، وفي تاريخ من التواريخ، ثم قالوا لنا إن هذه هي الشريعة الإسلامية.

نحن لسنا ملزمين بهذه المدونة الفقهية على الإطلاق؛ نملك أن نعدل فيها، ونغير، ونحذف، ونضع كما نريد، والسبب بسيط جداً: لأن هذا “شرع بشر”. هؤلاء يغضبون جداً من وصف قوانينهم بأنها “وضعية”، رغم أنها قوانين وضعها بشر فعلاً بناءً على تصوراتهم وأفكارهم، ثم ادعوا أن هذا موجود في القرآن وفي السنة. وبالطبع، السنة دخلها حجم هائل من التزوير والتزييف. لذا نعود للأصل: ما الموجود في القرآن الكريم؟ لا يوجد فيه حد الرجم أبداً، ومن يرتكب جريمة حد الرجم اليوم هو في الحقيقة يفتت على الله سبحانه وتعالى.

شروط الاستحالة

ما ورد في القرآن بخصوص عقوبة الزنا هو “الجلد” فقط. وحتى فكرة الجلد، رغم ما فيها من قدر كبير من العنف والقسوة، إلا أنها كانت “بنت عصرها” وبنت بيئتها. فالإسلام جاء ليخاطب مجتمعاً في سياقه الزماني والتاريخي والاجتماعي والثقافي، والآيات التي نزلت والتشريع الذي جرى، كان يتعامل مع مجتمع مفهومة طباعه وطبائعه. لذلك نجد في القرآن خطاباً موجهاً لـ”القوم” وللسياق الزمني والاجتماعي، وهناك خطاب آخر موجه للبقاء الخالد للقرآن والإسلام.

العجيب أن القرآن حين وضع عقوبة الجلد، أحاطها بشروط جعلت من تنفيذها أمراً مستحيلاً من الناحية العملية. فلكي نعرف أن هؤلاء ينطبق عليهم الحد، لا بد من وجود أربعة شهود يشاهدونهم وهم يجامعون بعضهم البعض! بأي منطق يمكن لرجُل وامرأة يمارسان الزنا أن يفعلا ذلك في حضور أربعة أشخاص يحيطون بهما؟ هل هذه “حفلة جنس جماعي” مثلاً؟ هل سيحضرون أربعة يتفرجون عليهم؟ من هذا الذي يمارس جماع زنا في حضور أربعة شهود؟

الشروط لا تتوقف عند وجود الشهود الأربعة فقط، بل اشترطت الشريعة أن يشاهد الشهود واقعة “دخول القلم في المحبرة”، وهذا طبعاً ترميز لعملية الجماع الكاملة. بل إن الخيال الفقهي ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث اقترحوا أن يأتوا بـ “حبل أو خيط” ليضعوه بين الرجل والمرأة في حالة الجماع للتأكد من الملامسة! من أين جاء هذا الخيال؟ ولماذا كل هذا التدقيق في عبور الخيط؟ الحقيقة أن هذه “شروط استحالة” وضعها الله سبحانه وتعالى لكي لا تُنفذ العقوبة أصلاً، ومن أجل الستر.

حتى وإن وجد الشهود الأربعة، فلو تردد واحد منهم فقط وقال “لا، أنا لست متأكداً أن الخيط مر”، يُلغى الحد بل ويُجلد الشهود الأربعة أنفسهم بتهمة القذف. نحن نتحدث عن كمية تحصين هائلة لتنفيذ هذا الحد تجعل منه حداً غير قابل للتنفيذ. لا توجد حاجة اسمها جلد زاني وزانية هكذا ببساطة، فهي شروط مستحيلة، وهذا الحد معمول في الأصل للامتناع عن تنفيذه وتطبيقه.

أما في حالات الخلاف الزوجي، فقد قدم القرآن حل “الملاعنة”. إذا اتهم زوج زوجته بالزنا وادعى أنه رآها، والزوجة أنكرت وقالت إنه كاذب، فالقرآن يقول لنا ماذا نفعل: يحلف الزوج أربع شهادات بالله أنه رآها، وهي تحلف أربع مرات أيضاً أنها لم تفعل، ثم يذهب كل واحد لبيته وينتهي الأمر بالفراق. أين الجلد وأين الرجم في هذا الحكم الإلهي الصريح؟ الرجم ليس موجوداً في القرآن، بينما الملاعنة موجودة وبكل وضوح، فبأي منطق يتركون القرآن ويتمسكون بالرجم؟

شهادة الشيخ أبو زهرة

ثمة واقعة مدهشة جداً تتعلق بشيخنا الكبير محمد أبو زهرة، وهو عالم مصري جليل تملأ كتبه رفوف المكتبات الإسلامية. في عام 9721 وخلال مؤتمر ديني في ليبيا -كما يحكي يوسف القرضاوي في مذكراته- قال أبو زهرة كلمة زلزلت الحضور: “لقد كتمت رأياً فقهياً في نفسي منذ عشرين سنة”. تخيلوا أن عالماً بمكانته كتم علماً ولم يبينه للناس طوال هذه المدة، وهو الذي لم يكن يتردد أبداً في قول آرائه في أي قضية.

عندما سُئل عما كتمه، قال إنها قضية “رجم المحصن” في حد الزنا؛ حيث يرى أنها ليست من الإسلام. واستند الشيخ في رأيه إلى منطق قرآني باهر، فالله تعالى قال عن الجواري (الإماء): “فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب”. الله قرر أن الأحرار لهم عقوبة (وهي الجلد)، والعبيد والجواري لهم “نصف” هذه العقوبة.

هنا طرح الشيخ أبو زهرة سؤاله المفحم: إذا كان الجلد عقوبة يمكننا تنفيذ نصفها (50 جلدة بدلا من 100  مثلا)، فكيف نطبق “نصف” الرجم؟ هل نرمي العبد أو الأمة بنصف حجر؟ أم نرميه بـ50 حجراً بدلاً من 100 لكي يموت أيضاً؟ الرجم عقوبة لا تقبل التنصيف، وبما أن الله نص على التنصيف، إذاً فالعذاب المقصود هو الجلد لا الرجم.

لقد أكد الشيخ أبو زهرة أن هذا الحكم، إن كان قد وجد يوماً، فقد تم نسخه وإنهاؤه، ووصف الأحاديث التي تتحدث عن آية “الشيخ والشيخة” بأنها كلام لا يدخل العقل. وبالرغم من أن المعتزلة والخوارج وأئمة كثيرين تحدثوا قديماً عن عدم وجود حد الرجم، إلا أن هناك من يتمسك به تمسكاً شديداً حتى اليوم، بل ويفعلون ذلك علانية، كما نرى في أفغانستان وباكستان وفي بعض المجتمعات العربية قبل عودتها للرشاد الديني، حيث يحبون ممارسة الرجم العلني.

لماذا هذا التشدد والمغالاة؟ لماذا هذه الرغبة في العنف والقسوة والقتل بهذا الشكل الوحشي؟ لماذا الإصرار على العنف ضد المرأة والرجل المخطئ إلى هذا الحد؟ هذا هو المشكل الحقيقي؛ ليس في وجود الحد من عدمه، لأنه فعلياً لا يوجد رجم، بل المشكل في “افتراض” البعض وجوده وحماستهم لممارسته بشكل طقسي وجماهيري وفاضح، وهو أمر يتناقض تماماً مع قيم الستر الإيمانية، ومع قيم الرحمة والمغفرة والتسامح.

نبينا، نبي الرحمة، عندما كانت أته امرأة لتعترف بأنها زنت، وبأنها حامل، قال لها: “اذهبي حتى تضعي الحمل”، وكان يدفع عنها كثيراً حتى لا يُطبق عليها أي حد. وحين كان يأتيه شخص ليعترف، كان يقول له: “لعلك قبلت”، “لعلك لامست”. كان النبي يبحث عن أي شبهة لدرء العقوبة ودرء الوصم. هذه هي الأحاديث التي يقول هؤلاء إنهم مؤمنون بها ويعتبرونها مصدراً للتشريع، فلماذا يتم تنحيتها والتمسك فقط بالأحاديث التي فيها عنف وقسوة؟.

إن هذا الفكر يحتاج لدراسة؛ لماذا يعتقد البعض أن التدين يستدعي الخشونة والفظاظة والغلظة؟ من قال إن الناس سيرتدعون بالعقوبة المغلظة والقاتلة؟ كم حادثة رجم حصلت على مدى الـ1400 سنة الماضية ومع ذلك لا يزال الزنا موجوداً؟ الرجم وحشية لا تستند للقرآن، ولا للسنة، ولا للعقل، ولا للمنطق، ولا للرحمة، ومن يروج له يرتكب جرماً شديداً في حق هذا الدين.


اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك لتصلك أحدث التقارير من الحرة

* حقل الزامي

اترك رد

https://i0.wp.com/alhurra.com/wp-content/uploads/2025/08/footer_logo-1.png?fit=203%2C53&ssl=1

تابعنا

© MBN 2025

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading