في السنوات الماضية، انشغل العالم عن الصومال بقضايا كبرى، استنزفت القدرات العسكرية للكثير دوله، واستحوذت على جلّ الاهتمام والمتابعة على المستوى الدبلوماسي.
لكن هذا الانشغال لم يغيّر شيئاً في واقع هذا البلد، إذ بقيت النار تشتعل تحت رماد مشاكله الكبيرة، بما فيها النزعات الانفصالية ونشاط المنظّمات الإرهابية والفقر والجفاف وغيرها.
لكن الاعتراف الإسرائيلي بإقليم “أرض الصومال” دولة مستقلة حرّك المياه التي كانت راكدة نسبياً، واستدعى القيام بحركة اتصالات واسعة بين دول عدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في مقدمتها مصر.
وفي هذا الإطار، أجرى وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، يوم الجمعة، سلسلة اتصالات مع وزراء خارجية الصومال وتركيا وجيبوتي، انتهت برفضهم جميعاً الاعتراف الإسرائيلي.
كما قادت مصر تحركًا دبلوماسيًا أسفر عن بيان مشترك وقّعت عليه 20 دولة، إلى جانب منظّمة التعاون الإسلامي، عبّر عن الرفض التام للاعتراف الإسرائيلي، والربط بين هذه الخطوة وأيّ مخططات محتملة لتهجير الفلسطينيين. كما طالبت القاهرة بعقد جلسة طارئة لمجلس السلم والأمن الأفريقي لبحث تداعيات هذا الاعتراف.
ويطرح الاعتراف الإسرائيلي تحديات إضافية أمام مصر في الصومال، نظراً للأهمية الاستراتيجية والجغرافية لهذا البلد والتعاون العسكري والاقتصادي القائم بينه وبين مصر.
تحذير صومالي
خلال جلسة طارئة عقدها مجلس الأمن الدولي، يوم الاثنين، أكد إيهاب عوض، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، أن إعلان إسرائيل الاعتراف بـ”أرض الصومال” يمثل سابقة خطيرة وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، واعتداءً مباشرًا على وحدة الصومال وسلامة أراضيه. وأوضح أن مثل هذه الخطوات تهدد السلم والأمن الدوليين وتتعارض مع مبادئ الاتحاد الأفريقي.
وفي السياق ذاته، أكد وزير الإعلام والثقافة والسياحة الصومالي، داود أويس جامع، في حديث لموقع “الحرة”، أن اعتراف إسرائيل باستقلال “أرض الصومال” يمثل هجوماً مباشراً على سيادة الصومال، ويؤدي إلى تقويض الأمن في البحر الأحمر والقرن الأفريقي وخليج عدن. وأوضح أن هذه الخطوة قد تعزز نشاط التنظيمات الإرهابية التي تواجهها الصومال، مثل تنظيم “داعش” وحركة “الشباب”، كما أنها قد تشجع الحركات الانفصالية في مختلف أنحاء العالم، بما يشكل تهديدًا أوسع للاستقرار العالمي.
وأضاف الوزير الصومالي إن المنطقة ككل تواجه مخاطر أمنية متزايدة نتيجة هذا الإعلان، محذراً من احتمال تعطّل حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومؤكداً رفض بلاده الشديد للقرار الإسرائيلي الذي وصفه بالمتهور، “لما يحمله من تداعيات خطيرة قد تؤدي إلى استدراج العداء والصراعات الخارجية إلى الداخل الصومالي”.
مخاوف مصرية
بالنسبة لمصر، سينتج عن الاعتراف الإسرائيلي بـ”أرض الصومال” تداعيات مستقبلية عدة.
ويوضح رامي زهدي، خبير الشؤون الأفريقية، في حديثه لـ”الحرة”، أن التخوفات المصرية تتحرّك ضمن ثلاث دوائر رئيسة؛ الأولى تتعلق بإيجاد سابقة خطيرة لشرعنة الانفصال بالقوة أو الدعم الخارجي، بما قد يشجع حركات انفصالية أخرى داخل القارة الأفريقية. الدائرة الثانية، تتعلّق بمحاولات إعادة رسم خرائط النفوذ في القرن الأفريقي على نحو يضر بالمصالح العربية والأفريقية، ويشكل ضغطًا غير مباشر على الأمن القومي المصري. في حين تتمثل الدائرة الثالثة في القلق من تحول الإقليم إلى منصة نفوذ أمني أو استخباراتي أو عسكري لقوى خارجه، بما يعقّد المشهد الأمني المحيط بمصر من جهتي الجنوب والشرق معاً”.
ومن جانبه، يقول الدكتور حسن شيخ علي نور، أستاذ الدراسات الأمنية في المعهد العالي للدراسات الأمنية بمقديشو، في حديثه لـ”الحرة”، إن توقيت الاعتراف الإسرائيلي لا يعدو كونه محاولة لتصدير الأزمات الداخلية الإسرائيلية إلى الخارج. وأكد أن أي تدخل إسرائيلي في أمن البحر الأحمر يشكل تهديدًا مباشرًا للملاحة الدولية ويعرقل حركة التجارة العالمية”.
التعاون المشترك
في أغسطس 2024، وقّعت مصر والصومال بروتوكول تعاون عسكري بينهما.
وذكرت الرئاسة المصرية حينها أن الخطوة تهدف إلى “تدعيم قدرات الدولة الصومالية ومؤسساتها الوطنية، لحفظ الأمن والاستقرار ومكافحة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة”.
كما يوجد تعاون اقتصادي بين مصر والصومال في مجالات عدة، بينها التجارة والصحة والنقل وغيرها.
كما يحظى الصومال بأهمية قصوى بالنسبة للقاهرة بسبب موقعه الجغرافي، فالبلد يمتلك حدوداً مع أثيوبيا، التي تتواصل خلافاتها مع مصر بسبب سد النهضة، وسواحل على خليج عدن، فضلاً عن قربه من المضائق والممرات المائية.
وفي هذا السياق، يؤكد زهدي أن “أيّ وجود أمني أو استخباراتي إسرائيلي محتمل في أرض الصومال يعني عملياً الاقتراب من باب المندب، أحد أهم محاور الأمن الملاحي العالمي، بما يمس بشكل مباشر الأمن القومي المصري والعربي، وربما الأمن العالمي أيضاً”.
ويضيف زهدي إن “التهديد لا يقتصر على حركة الملاحة أو قناة السويس فحسب، بل يمتد إلى إعادة تشكيل موازين القوة البحرية وخلق نقاط ضغط جديدة يمكن توظيفها سياسياً أو أمنياً في أوقات التوتر”.



