“حرقوا بابا”… آية مهنا تروي حكايات الرعب في السويداء 

الحرة's avatar الحرة2025-08-08

منذ أن وطأت قدماها الأراضي الكندية في عام 2016، لم تتخلَّ آية مهنا، ابنة محافظة السويداء، عن هويتها أو قضيتها.

لم تكن هجرتها من سوريا قرارا سهلا، بل كانت “لجوءا لمكان أكثر أماناً وأفضل” بعد أن “بطَّل فيه فرصة للحياة” في سوريا 

كانت الثورة السورية، التي انطلقت في عام 2011، سبباً مباشراً في تغيير مسار حياتها. بعد أن عملت في مجال الإغاثة والعمل الإنساني، أدركت أنه لم تعد هناك فرصة للبقاء، فقررت البحث عن مكان آخر. 

ولكن آية لم تهاجر بجسدها فقط. حملت معها قضيتها، وصوتها، والموسيقى التي كانت وسيلتها للتعبير عن “الألم الواحد” الذي تشعر به تجاه كل سوري. تقول آية: “غنيت للثورة لأنو تعاطفت، لأنو حسيت، لأنو الإنسانية لا تتجزأ”. 

انطلقت أغانيها لتكون صوتاً لمن فقدوا أصواتهم، فكانت أولى أغانيها الداعمة للثورة هي “لأم الشهيد”، التي انتشرت بشكل واسع على القنوات السورية. 

لم تكن السويداء، مسقط رأس آية، بمنأى عن هذا الألم. عانت المحافظة من تبعيات الثورة وإن بطريقة مختلفة.

تقول آية: “ما كان ذنبنا إنه بشار الأسد ما قصفنا أو شرد ناسنا، بس بالنتيجة نحن عشنا الألم اللي كثار من أهل سوريا عاشوه”.

السويداء قدمت قتلى ومعتقلين ومهجرين، واستضافت لاجئين من مناطق أخرى. كانت المحافظة جزءاً لا يتجزأ من سوريا، ومعاناتها كانت “واحدة وأسبابها واحدة ونتائجها على الشعب السوري كانت واحدة”، تقول آية. 

 عندما أصبح الصوت هو الأمل الوحيد

في ظل الأحداث الأخيرة التي شهدتها السويداء، تحولت صفحات آية مهنا على السوشيال ميديا إلى منبر لنقل صوت أهالي المدينة إلى العالم.  

يتابع صفحات الناشطة والمغنية السورية قرابة 150 ألف شخص على فيسبوك وإنستغرام. 

اندلعت الأزمة الأخيرة في السويداء إثر اشتباكات عنيفة بين مجموعات مسلحة من أبناء الطائفة الدرزيةالتي تشكّل الغالبية السكانية في المحافظةوبين عشائر عربية محلية. 

تدخلت قوات الأمن العام السوري لاحتواء النزاع، لكن تدخلها سرعان ما تحول إلى مواجهة دامية، بعدما قُتل عدد من عناصرها على يد مسلحين دروز. ورداً على ذلك، صعّدت الحكومة السورية الموقف، فدفعت بتعزيزات من الجيش وقوات الأمن إلى أطراف المدينة في محاولة لاقتحامها. تقول آية: “صرنا نشوف أنه صار فيه هجوم على السويداء من محاور كثيرة“. 

وخلال هذه العمليات، وثّقت منظمات حقوقية سلسلة من الانتهاكات الجسيمة، شملت قصفاً عشوائياً، إعدامات ميدانية، اعتقالات تعسفية، إضافة إلى نهب وحرق ممتلكات المدنيين. 

ومع تصاعد التوتر، دخل الطيران الإسرائيلي على خط المواجهة، فشن غارات على مواقع تابعة للجيش السوري داخل المحافظة، وعلى أهداف حكومية في دمشق، من بينها مبنى وزارة الدفاع، الذي تعرّض للتدمير. 

هذه التطورات دفعت عشائر عربية من مختلف المناطق السورية إلىهبّةعشائرية والتوجه نحو السويداء لقتال إلى جانب قوات تابعة للحكومة ضد الدروز. وتعرضت المناطق الدرزية لانتهاكات فظيفة، منها قيام مسلحين بتنفيذ إعدامات في الشوارع لمدنيين بينهم شيوخ وأطفال كما بينت مقاطع فيديو موثقة. واتهم المسلحون الدروز بدورهم بارتكاب انتهاكات بحق عائلات بدوية تقطن السويداء. 

وجد سكان المدينة الدروز أنفسهم محاصرين، خاصة مع قطع شبكة الإنترنت والاتصالات، مما فرض تعتيماً إعلامياً كبيرا. في هذا الوضع، أصبح التواصل مع الخارج أمراً بالغ الصعوبة، وأصبح الناس يعتمدون على أي وسيلة لإيصال أصواتهم. 

تقول آية: “كان اللي يقدر يشبك شوي على الشبكة يحاول يتواصل مع حدا من الخارج ليعرف أول شي إن كان مستجدات أو إحداثيات”. في هذه اللحظات الحرجة، تحولت منصات آية على وسائل التواصل الاجتماعي إلى منبر لنقل قصص الأهالي ومعاناتهم. “من وقت ما طلعت من سوريا بعدني ناشطة ميدانية أو ناشطة إنسانية، ناشطة بالعمل الإغاثي، ناشطة بمجال اجتماعي على السوشال ميديا، تقول الشابة السورية. 

هذا الدور لم يكن جديداً على آية، لكنه أصبح أكثر أهمية وإلحاحاً خلال هذه الأزمة. تقول: “استخدمت المنصة للتعبير عن قضايا كثير أو لطرح قضايا كثيرة تخص بلدي”.  

تقلت آية عشرات الاتصالات ونشرت عشرات الفيديوهات على صفحاتها. في لحظات اليأس، “الغريق بيتعلق بقشة”، تقول. وكان صوت آية بمثابة القشة التي تمسك بها كثيرون. 

 قصص من قلب الأزمة 

في خضم هذا المشهد الدموي، تروي آية لـ”الحرة” ثلاث قصص ظلت محفورة في ذاكرتها. 

تحكي آية قصة أم وأطفالها الثلاثة. كان أكبرهم لا يتجاوز الحادية عشرة. تعرضت العائلة لهجوم، واختبأ جميع أفرادها في “خم دجاج” حاملين معهم قنينة ماء واحدة.

تقول آية: “كانت ناطرة حدا يوصلهم ليطلعهم لأنه ظلت القرية التي هم فيها تحت سيطرة الأمن العام والبدو اللي فاتوا على المنطقة”. حاولت آية التواصل مع فرق الهلال الأحمر، ونجحت في النهاية في إيصالهم إلى بر الأمان. “قالت لي شكراً، أنت أنقذت حياتنا… هاي جملة أنا ما بنساها بحياتي“. 

نشرت آية أيضا فيديو لسيدة مخطوفة يهددها حوالي عشرين شخصاً بالذبح. تقول آية إن فرصة نجاتها كانت ضئيلة جداً، لكنها نجت بفضل وجود شخصين من بين المهاجمين كانا “من الأوادم” ومنعا قتلها. بعد نجاتها، تواصلت السيدة مع آية، وقالت لها: “خالتو شكراً إنو صوتك عم يوصلنا… وأنا فعلاً محظوظة لإنه ما انذبحت”. عندما سألتها آية: “لو إنت ما كنتي بين إيدين هدول الشخصين شو كان صار؟”، أجابت: “كنت متت لإنه شفت بعيوني اللي ماتوا“. 

لكن أكثر قصة علقت في ذهن آية هي قصة رجل مسن تعرض للقتل والحرق. وصلت إلى آية تسجيلات من فتاة تقول فيها: “حرقوا بابا، ما بعرف ليش عم بكتبلك، بس قلبنا محروق”. كان الرجل مسناً يبلغ من العمر 75 عاماً، مصاب بالسكري وقدمه مقطوعة، ما جعله عاجزاً عن الحركة. تقول آية إن الجثة وجدت “محروقة ومربوطة على الكرسي”. تتساءل: “يبدو أنهم تلذذوا بطريقة قتله”. هذه القصة، بكل ما فيها من بشاعة، تعكس غياب الإنسانية. 

 أكبر من مجرد صراع مسلح!

 تعتقد آية أن ما حدث في السويداء لم يكن مجرد صراع مسلح، كان انهياراً في بنية المجتمع. تقول: “أنا كل حياتي مؤمنة بأن الإنسان بغض النظر عن انتمائه وطائفته وعرقه يستحق فرصة للحياة”.

لقد غنت آية لوحدة سوريا، وغنت لكل المحافظات، من إدلب إلى درعا وحمص وحلب. 

لكن الأحداث الأخيرة كشفت عن وجه آخر مؤلم. “اللي انهز جواتي واللي تغير إنه شفت فئة من الناس اليوم طائفية لدرجة حتى لو ما فاتوا يذبحوا بإيدهم، هم يشجعوا على الشي اللي صار”. هذه الفئة، التي تتهم المحافظة بالخيانة، أظهرت استعدادها لتقبل الدمار والخراب وقتل الأبرياء، فقط لأنهم “خالفناهم بالفكرة السياسية“. 

تؤكد آية أن عمليات “الفبركة” كان لها دور كبير في الأزمة. تشير إلى أن جزءاً كبيراً من الصور والفيديوهات التي استخدمت لتجييش العشائر كانت “تلفيقا. لكنها ترى أن الهجمة كانت ستحدث “بجميع الأحوال لأنه معروف إنه شي مخطط بإيدين الدولة التي شرعت هذا الهجوم“. 

بالنسبة لآية، لا يزال هناك أمل في العودة رغم كل الوجع. تقول: “لو اليوم بتصير لي الفرصة أنه أنزل على البلد لأعيش فيها، أنا رح أختار السويداء أولاً وآخراً”. ولكن حتى ذلك الحين، ستستمر في محاولة نقل أصوات أهلها إلى العالم، لعل صوتها يساهم في شفاء الجراح التي ستحتاج “سنين لتشفى”. 


اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك لتصلك أحدث التقارير من الحرة

* حقل الزامي

اترك رد

https://i0.wp.com/alhurra.com/wp-content/uploads/2025/08/footer_logo-1.png?fit=203%2C53&ssl=1

تابعنا

© MBN 2025

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading