باسيج عراقي؟

“حشد مدني” يلعب أدوارا استخباراتية أكبر وربما يكون شبيها بالباسيج الإيراني.

أطلقت هذه الدعوة في يونيو الماضي على لسان نائب عراقي تابع لفصيل مسلح مقرب من إيران.

الدعوة ليست جديدة، فقد كانت هناك تحركات قبل عامين لتأسيس “باسيج عراقي” لكن الجديد اليوم أن التحركات التي تقوم بها فصائل مسلحة عراقية في هذا السياق تصاعدت بعد حرب يونيو بين إسرائيل وإيران.

في تصريحات لـ”الحرة”، يتحدث ناشط مدني عراقي، فضل عدم الكشف هويته لأسباب أمنية عن عمليات “تجنيد مدنيين” يقوم بها الحشد لـ”تنفيذ أدوار استخباراتية في غالبية المحافظات العراقية”.

وفي نفس السياق، يشير المحلل السياسي عصام الفيلي إلى أن الفصائل الموالية لإيران في العراق تطمح إلى استنساخ تجربة الباسيج الإيراني، لكن ذلك غير ممكن من “من الناحية العملية والتطبيقية”.

خلال مشاركته في برنامج متلفز بثته فضائية تابعة لإحدى الفصائل الموالية لإيران نهاية يونيو الماضي، قال النائب في البرلمان حسين مؤنس إنه يتمنى “أن يتحول الحشد الشعبي الى حشد مدني يؤدي عملا استخباراتيا من أجل ضبط العمل الاستخباري، تلافياً لسيناريو الاختراق والتجسس الذي حصل في لبنان وإيران”.

ويرأس مؤنس “حركة حقوق”، الجناح السياسي لمليشيا “كتائب حزب الله” العراقية المدرجة على القائمة الأميركية للمنتظمات الإرهابية. وقد فرضت واشنطن في يناير 2024، على مؤنس لـ”دعمه عمليات فيلق القدس الإيراني ووكلائه”.

ويتهم الناشط، وهو يقود منظمة غير حكومية في البصرة، فصائل بتجنيد مدنيين لتنفيذ مهام استخبارية. ويقول إنه رصد اعتمادا على شبكة من الناشطين الميدانيين المنتشرين في غالبية محافظات العراق زيادة في التجنيد الاستخباري.

الناشط الذي طلب إخفاء اسمه خشية التعرض للتصفية على يد الميليشيات، كما يقول، يتحدث عن مكاتب في مقرات الفصائل مخصصة لجهود التجنيد هذه.

يركز هذا الجهد الاستخباري على “الناشطين والمعارضين السياسيين والصحفيين المناهضين للمشروع الإيراني في العراق”، يؤكد هذا الناشط المتخصص في رصد الانتهاكات الحقوقية في البصرة.

الناشط ذاته تعرض عدة مرات للتهديد، كما يقول، بناء على اتهامات بدعم وقيادة الاحتجاجات الشعبية.

وتجند الفصائل ضباطا في الأجهزة الأمنية للاستفادة من معلوماتهم وخبراتهم في المجال الاستخباراتي، يقول الناشط.
ويتلقى من تجندهم مكافآت، يضيف.

“المجندون في الحشد المدني يتلقون رواتب شهرية تصل نحو 750 ألف دينار عراقي أي نحو 500 دولار أميركي،” يقول.

خلال إعداد هذا التقرير، وتقصي المعلومات عن مشروع الحشد المدني في العراق، تحدثت “الحرة” مع ضباط ومنتسبين وناشطين عاملين في الحشد الشعبي ومقربين من الفصائل المنضوية فيه، رفضوا الكشف عن هوياتهم خوفا من الانتقام.

جميع هذه المصادر أكدت المعلومات المتعلاقة بمشروع توسيع الحشد المدني.

وقال هؤلاء إن “المرحلة الحالية من المشروع تركز على تجنيد نخب المجتمع العراقي من أساتذة جامعيين وأطباء وقضاة وصحفيين ومؤثرين، الى جانب فئات مجتمعية متنوعة، ليكونوا عيونا للكشف عن أي خروقات قد يتعرض لها الأمن الداخلي العراقي والحشد الشعبي”.

كذلك أشاروا إلى أن “الحشد المدني سيكون في المستقبل القريب بمثابة قوات الباسيج لكن بالنسخة العراقية”.

وحاولت “الحرة”، التواصل مع هيئة الحشد الشعبي لمعرفة تفاصيل مشروع الحشد المدني واهداف توسيعه، إلا أن المكتب الإعلامي للهيئة رفض الأدلاء بأي تصريح للموقع.

باسيج عراقي على الأرض

يعتبر المحلل السياسي العراقي، جعفر زيارة أن “أسباب توسيع الحشد المدني في هذا التوقيت تعود إلى بروز بوادر تراجع الدعم الشعبي للأجنحة المسلحة المنضوية في الحشد الشعبي، وضعف التفاعل الشعبي معها في ظل ما تواجه من ضغوطات دولية خاصة من قبل الولايات المتحدة”.

“في خضم التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها الفصائل يُعاد طرح فكرة استنساخ تجربة الباسيج الإيراني كأداة تجمع بين الطابع التعبوي والشعبي، وتوفر غطاء مدنيا ثقافيا أمنيا للفصائل المرتبطة بالمحور الإيراني”، يقول زيارة لـ”الحرة”.

الهدف منها وفق زيارة هو “كسب ولاءات اجتماعية جديدة خارج الإطار العسكري، عبر أنشطة مدنية وخدمية”.

ويلفت زيارة إلى أن مشروع الحشد المدني يركز على العمل كجناح تعبوي يربط بين أجهزة الدولة والشارع ويتولى أدوارًا أمنية وثقافية وتنظيمية داخل المجتمع، كما ويهتم بـ”الجهاد التوعوي والثقافي”، لمواجهة ما يُوصف بـ “الغزو الفكري” أو “الانحلال الأخلاقي”، مضيفا “هذه الصفات يجعلها الأقرب من نموذج “الباسيج” التابع للحرس الثوري الإيراني”.

مليشيات مدنية بطابع عسكري

تنضوي مليشيات “ربع الله” و”أبناء المهندس” و”ولد الشايب” و”أبو جداحة” و”تشكيلات يا علي الشعبية”، ضمن ما يعرف بالحشد المدني، التي بدأ الإعلان عنها تباعا منذ عام 2020.

كانت هذه الجماعات حاضرة دائما في التظاهرات التي تنظمها الفصائل المسلحة ضد الولايات المتحدة الأميركية والمصالح الغربية في العراق.

وقادت خلال السنوات الماضية عدة عمليات تدمير وتخريب استهدفت مقرات سياسية وإعلامية ومحالا تجارية في بغداد، جرى نشرها في مقاطع مصورة على مواقع تواصل اجتماعي مقربة من الفصائل المسلحة في العراق.

كما تشن هذه المليشيات المدنية، التي في الغالب يخفي عناصرها وجوههم، بين الحين والآخر هجمات على محال بيع المشروبات الكحولية ومراكز التجميل والتدليك.

يرفض السياسي العراقي المستقل، المقيم في واشنطن، انتفاض قنبر، فكرة وجود جناح مدني للحشد، “وأن ما يعرف بالجناح المدني سيكون جناحا أمنيا بغطاء مدني”.

“ما يذكر عن الجناح المدني ومهامه هي عملية تجسس معلنة، تدل على أن إيران لا تستطيع أن تعيش بدون العراق وتريد الاستمرار بالسيطرة عليه، والتغلغل في النظام العراقي سياسيا واقتصاديا ومدنيا وفي كافة المجالات”، يضيف قنبر لـ”الحرة”.

ويرى قنبر أن المهام الموكلة للحشد وفروعه سواء كانت مدنية أو عسكرية أو هندسية كما هي شركة المهندس، التي هي واجهة من واجهات الحشد، مهمتها بسط الهيمنة الإيرانية داخل العراق.

البحث عن الدعم

منذ مطلع العام الحالي ازداد الضغط الأميركي على الحكومة العراقية لاحتواء النفوذ الإيراني في العراق والعمل على نزع سلاح المليشيات الموالية لإيران وتحجيمها.

ونفذت الفصائل العراقية بحسب تقرير مصور نشرته صفحة مجموعة “المقاومة الإسلامية في العراق” باللغة الفارسية في 5 أغسطس الحالي، أكثر من 500 هجوم بصواريخ بالستية وطائرات مسيرة على إسرائيل والمصالح الأميركية في العراق وسوريا ما بين أكتوبر 2023 ونوفمبر 2024.

في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في 22 يوليو الماضي، أكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو على مخاوف الولايات المتحدة بشأن مشروع قانون هيئة الحشد الشعبي، الذي لا يزال قيد المناقشة في مجلس النواب، مشددا أن “تشريع هذ النوع من القوانين سيؤدي إلى ترسيخ النفوذ الإيراني والجماعات المسلحة الإرهابية التي تقوض سيادة العراق”.

دفعت هذه الضغوط بالمليشيات المنضوية في الحشد الشعبي إلى العودة للشارع في “عملية تمويه لحماية كيانها من الزوال والاحتفاظ بسلاحها وقوتها العسكرية خلف الجناح العسكري،” يقول المحلل السياسي أحمد الشريفي لـ”الحرة”.

ويقول المحلل السياسي أحمد الشريفي لـ”الحرة” إن “الفصائل تدرك أن رصيدها الاجتماعي أصبح ضعيفا جدا وبالتالي هي تلجأ للحديث عن الحشد المدني حتى تخلق جهدا ساندا على مستوى المجتمع لدعمها في خياراتها السياسية، بل وحتى الدفاع عنها في خياراتها العسكرية”.

العراق ليس إيران

تأسست منظمة الباسيج، والتي تعني “التعبئة” باللغة الفارسية، في إيران في نوفمبر 1979، بأمر من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، روح الله الخميني.
وقد دعا الخميني إلى إنشاء “جيش من 20 مليون رجل” لحماية الثورة ونظامها السياسي والديني.

وفي أبريل 1980، جرى تأسيس المنظمة رسميًا، ثم أُدمجت في عام 1981 ضمن الهيكل التنظيمي للحرس الثوري الإيراني.

مع مرور السنوات، توسع دور الباسيج ليشمل مجالات عديدة تتجاوز مهمته العسكرية الأصلية خلال الحرب الإيرانية–العراقية، وتشمل اليوم:

الأمن الداخلي وإنفاذ القانون: يعد الباسيج قوة أساسية في حفظ الأمن الداخلي وقمع المعارضة، حيث لعب دوراً بارزاً في التصدي للاحتجاجات المناهضة للحكومة، وفرض المعايير الاجتماعية، والعمل كشرطة أخلاقية.

السيطرة الاجتماعية والثقافية: للباسيج حضور في كل مدينة وبلدة تقريباً، حيث يفرض الالتزام بقواعد اللباس والسلوك الإسلامي، ويعمل على مواجهة ما يعتبره النظام “تأثيراً ثقافياً غربياً” في الجامعات والأماكن العامة.

جمع المعلومات الاستخباراتية: بفضل شبكته الواسعة من الأعضاء، يجمع الباسيج معلومات محلية عن الأفراد والجماعات الذين يُنظر إليهم كتهديد للنظام.

الخدمات الاجتماعية والمجتمعية: يشارك في أنشطة مؤيدة للحكومة، مثل تقديم المساعدات أثناء الكوارث الطبيعية، وتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار، وتوفير خدمات اجتماعية لأعضائه.

وفي العراق يلعب الجناح المدني للحشد الشعبي أدوارا اجتماعية وخدمية وإغاثية علنية منذ انتهاء عمليات تحرير المدن العراقية من تنظيم داعش عام 2017.

شكلت الفصائل المنضوية في الحشد على المدى السنوات الماضية أجنحة مدنية، شملت تشكيل مراكز بحثية وتعليمية ومنظمات إغاثية، وفرق تطوعية لإدارة حملات العمل الشعبي كتنظيف الأنهار، ومساعدة فرق الدفاع المدني اثناء الفيضانات وفي إخماد الحرائق.

وشمل الجهد المدني المشاركة في فض النزاعات العشائرية ورفع التجاوزات في الأسواق والمناطق العامة، وتنفيذ مهام إعلامية وترويجية كجيوش إلكترونية تنفذ مهام المراقبة والمتابعة والقرصنة على شبكات التواصل الاجتماعي والاتصالات الهاتفية.

وشاركت مجاميع من الأجنحة المدنية للفصائل في عمليات فض التظاهرات التي شهدتها المدن العراقية خلال السنوات الماضية ونفذت، وفق ناشطين ومتظاهرين شاركوا في هذه التظاهرات، تحدثوا لـ”الحرة”، أدوارا استخباراتية تمثلت في اختراق صفوف المتظاهرين والتقاط صور للناشطين والحصول على معلومات عن قادة التظاهرات ليتعرضوا فيما بعد للاعتقال على يد أمن الحشد والأجهزة الأمنية الأخرى.

تشرف مديرية التوجيه المعنوي في الحشد الشعبي على كافة نشاطات الحشد المدني، كما وأسست فرقا من المدنيين تحت عنوان “لواء الخدمة الحسينية”.

وفق معلومات نشرها المركز الإعلامي للعتبة العلوية على موقعه الالكتروني، يتكون اللواء الخدمي من مختلف الفئات الاجتماعية والأكاديمية والإعلامية.

وشُكل لواء الخدمة الحسينية عام 2016 برعاية الاتحاد العام للإذاعات والتلفزيونات العراقية، هو فرع من “اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية” الذي تديره وتموله إيران.

ووفق إعلام العتبة العلوية، “ينفذ اللواء الخدمي إلى جانب مهامه الرئيسية في مجال خدمة المراسم الدينية، مهام أخرى ضمن العمل التبليغي في المجالات الأمنية والتوعوية للمجتمع لدرء خطر الإشاعات التي تبثها المجاميع الإرهابية التي تحاول زعزعة المجتمع”.

كما وانضم إلى الألوية الخدمية فيما بعد، لواء حيدريون للخدمة الحسينية، وهو أحد أجنحة كتائب حزب الله العراق المدنية، وفريق “طريق النور الثقافي” الجناح المدني للواء المنتظر أحد ألوية المجلس الأعلى الإسلامي.

وعلى الرغم من أن إقامة منظمة مثل “الباسيج” في العراق أمر ممكن نظريا، لكنه يواجه العديد من التحديات السياسية والقانونية والاجتماعية التي تجعل تنفيذه أمرا معقدا، يقول المحلل السياسي العراقي عصام الفيلي.

“طبيعة وشكل النظام وبنية المجتمع في العراق كلها تختلف كليا عن إيران التي يحكمها نظام ديني” يقول الفيلي.

ويضيف “للحرة” أن “هناك أيضا تنافس داخل القوى الشيعية في العراق، بل وحتى بين قادة الفصائل أنفسهم، وبالتالي من الصعب أن يتوحدوا على فكرة تأسيس باسيج عراقي حتى لو كانت لدى أحدهم مثل هكذا توجهات”.

ولا يخفي الباحث في الشأن السياسي العراقي، رافد العطواني، سعي الفصائل والأطراف الموالية لإيران لتشكيل “الباسيج العراقي”، كجزء من ثقافة أيدلوجية.

لكنه يعتقد في الوقت ذاته أن هذا الموضوع صعب المنال، لأسباب تتعلق بالضغوط الدولية الخارجية.

“شيعيا أيضا نسبة عالية لا يرومون إعادة هذا التشكيل بصبغته الإيرانية أو ما يعرف بالباسيج، لذلك أتصور أن الموضوع صعب، لكنه جزء من مناورة سياسية ومناورة شعبية تهدف لتلافي خسارة إيران الحاضنة العراقية وهي الحاضنة الأخيرة إذا ما قُرنت بسوريا ولبنان”، يتابع العطواني.


اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك لتصلك أحدث التقارير من الحرة

* حقل الزامي

اترك رد

https://i0.wp.com/alhurra.com/wp-content/uploads/2025/08/footer_logo-1.png?fit=203%2C53&ssl=1

تابعنا

© MBN 2025

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading