بعد ضربة الدوحة.. من يطمئن الخليج؟

في 25 مايو 1981 رأى مجلس التعاون الخليجي النور في العاصمة الإماراتية، أبو ظبي. وفي دورته الثالثة في نوفمبر 1982، وافق على إنشاء “قوة درع الجزيرة”، بحجم لواء مشاة من 5 آلاف عنصر من دول مجلس التعاون الست، وذلك كرد فعل على الحرب الإيرانية – العراقية.

ورغم زيادة عديده في العام 2005 وتوسيع حجم قوته وتسليحه، ليحمل اسم “قوات درع الجزيرة المشتركة”، بقي الدرع “شكليا”، ولم يستخدم بشكل فعّال إلا لقمع التحركات الشعبية المعارضة التي خرجت في البحرين في فترة “الربيع العربي”.

وبقي الخليج معتمدا، في أمنه، على الدعم الأميركي، ولا سيما من خلال شبكة القواعد العسكرية المنتشرة في المنطقة، وفي مقدمتها قاعدة العديد في قطر، التي تُعدّ أكبر قاعدة أميركية خارج الولايات المتحدة، والتي موّلتها الدوحة بنحو 6 مليارات دولار.

مع ذلك، لم تواجه دول الخليج تهديدات كبرى منذ اجتياح صدام حسين للكويت في العام 1990، وتولي التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة إخراجه بالقوة، بعد حشد قوات أميركية في السعودية، وتسمية حملة تحرير الكويت بـ”عملية درع الصحراء”.

اليوم مع الضربة العسكرية التي نفذتها إسرائيل في قطر، في محاولة لاغتيال قيادات حماس، يعود سؤال الأمن الخليجي إلى الواجهة، والخشية من أن تشكل هذه الضربة سابقة، يمكن ان تعرّض دول الخليج الأخرى لاحتمال اعتداءات، من دون القدرة على ردعها.

يقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط والمفاوضات العربية – الإسرائيلية، آلون بن ماير لـ”الحرة” إن دول الخليج تشعر بقلق بالغ حيال التزام الولايات المتحدة بأمنها. ويوضح أن هذه الدول باتت تشعر وكأنها تُركت وحدها؛ فإذا كانت واشنطن قد سمحت لحليف، هو إسرائيل، بمهاجمة حليف آخر هو قطر، “فكيف يمكن الاطمئنان إلى أن إسرائيل لن تهاجم دولة خليجية أو عربية أخرى بموافقة أميركية، إن لم يكن باتفاق مطلق معها؟”.

يرى بن ماير أن دول الخليج ستدخل في محادثات جدية مع الولايات المتحدة يكون محورها الأمن، بخلاف ما اعتادت عليه سابقا من محادثات ذات طابع تجاري. ويضيف أن هذه الدول باتت تطالب بضمانات واضحة تضمن أن التزام واشنطن بأمنها لن يُمسّ من أي طرف، وخصوصا من حليف آخر للولايات المتحدة، وأن تكون السيطرة الأميركية كاملة في هذا المجال.

الضربة الإسرائيلية لقطر كشفت عن هشاشة المعادلات الأمنية التقليدية، التي اعتمدت بشكل كبير على التحالفات الخارجية، كما يوضح الخبير في الأمن الخليجي والعربي ظافر محمد العجمي، في تغريدة نشرها على موقع “أكس”.

عجمي يعتقد أن الهجوم على أراض تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أميركية خارج الولايات المتحدة يكسر حالة “الطُمأنينة الأمنية” ويضع جدوى سياسة “الثروة مقابل الحماية” تحت المجهر. وبرأيه، “لم يعد الموقف الخليجي المحايد كافيا، بل يُفسر الآن كضعف أو تواطؤ قد يعرض دول المنطقة للاستهداف السياسي والأمني”.

أمام هذا الواقع الجديد، يطرح العجمي أمام دول الخليج مجموعة من الخيارات الاستراتيجية الحاسمة.

أولها تعزيز الردع الذاتي عبر تطوير أنظمة دفاع جوي متكاملة، والاستثمار في تقنيات الحرب الإلكترونية والاستخبارات المضادة. ثانيا، إعادة تعريف التحالفات من خلال مراجعة العلاقة مع واشنطن للضغط من أجل ضمانات أمنية ملموسة، إلى جانب تنويع الشركاء الاستراتيجيين.

ثالثا، توحيد الموقف الخليجي عبر تحويل التضامن السياسي إلى سياسة أمنية موحدة، وتوحيد الرؤية تجاه القضايا الإقليمية. وأخيرا، إعادة هيكلة الأدوار الإقليمية بالتركيز على “القوة الناعمة” والاقتصاد، لجعل الخليج قوة يصعب استهدافها دون تكبد الاقتصاد العالمي خسائر فادحة.

على الأرض، لا يبدو أن دول الخليج بصدد إحداث تغيير جوهري في سياستها الأمنية، ليس في المدى المنظور على أقل تقدير، إذ وقد نفت قطر تقريرا لموقع “أكسيوس” يفيد بأنها تعيد تقييم شراكتها الأمنية مع الولايات المتحدة بعد الضربة الإسرائيلية في الدوحة.

ووصفت التقرير بأنه “خاطئ بشكل قاطع” و”محاولة واضحة وفاشلة لإحداث صدع بين قطر والولايات المتحدة”؛ حيث أكدت أن الشراكة الأمنية والدفاعية بين البلدين “أقوى من أي وقت مضى وتواصل نموها”.

ويكشف هذا النفي عن خصوصية المقاربة القطرية، التي صاغت أمنها وسياساتها الخارجية على أسس مغايرة لبقية دول الخليج.

فبسبب حجمها الصغير، بنت الدوحة استراتيجيتها على محاولات دؤوبة لتجاوز موقعها الجغرافي والديمغرافي المحدود.

في دراسة بعنوان قطر والتطلع إلى دور إقليمي، يوضح الباحث محمد عباس ناجي أن السياسة الخارجية القطرية هي وليدة البيئة الإقليمية المحيطة بها؛ إذ تسعى الدوحة إلى التحرر من الفلك السعودي رغم إدراكها محدودية إمكاناتها ومواردها مقارنة بالمملكة، القوة الأكبر في مجلس التعاون الخليجي.

ولتحقيق مكانة مستقلة، لجأت قطر إلى آليات عدة، أبرزها إقامة علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة من خلال استضافة قاعدة العديد العسكرية، الشريك الاستراتيجي الأهم لدول المجلس. كما انتهجت سياسة تقاربية مع إسرائيل، الحليف الرئيس لواشنطن في المنطقة. غير أن ذلك لم يمنع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من تنفيذ الضربة الأخيرة في الدوحة، ملوحا بتكرارها ما لم تتخل قطر عن استضافة قيادات حماس.

لا يرى بن ماير أن ما قامت به إسرائيل في قطر يمثل نقطة تحول في سياستها الأمنية، بل استمرارا لنهج معلن منذ سنوات.

يقول لـ”الحرة”: “لطالما كانت هذه استراتيجية إسرائيلية. أوضحت إسرائيل أنها ستلاحق أعداءها أينما كانوا، ولن تردعها الضغوط أو التهديدات الدولية”. ويضيف: “من وجهة النظر الإسرائيلية، يُمثل هؤلاء خطراً وجودياً عليها. وتسمح لنفسها بفعل ما تشاء تقريبا للقضاء على أي مصدر تهديد لأمنها القومي. لذا، ما شهدناه الآن لن ينتهي. ستستمر إسرائيل في مطاردة هؤلاء الأعداء ومحاولة القضاء عليهم. وقد رأينا هذا يحدث في إيران، وفي النرويج سابقًا، ويحدث في لبنان، وحتى في اليمن مؤخرًا، حيث قُتلت الحكومة بأكملها تقريبا. ويبدو أنهم يفعلون ذلك دون عقاب”.

ويتابع بن ماير أن احتمالات انضمام السعودية إلى اتفاقات أبراهام باتت بعيدة المنال بعد الضربة الإسرائيلية لقطر، مشيرا إلى أن العملية ستلحق ضررا كبيرا بأي آمال في مفاوضات مستقبلية لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.

كما ينتقد بن ماير السلوك العام لإسرائيل في سياستها الخارجية، إذ “ترى نفسها مركز ثقل لنفسها، بدلاً من مراعاة مصالح واهتمامات البلدان الأخرى”. ويذهب أبعد من ذلك في انتقاد الرئيس ترامب، معتبرًا أنه يرتكب “خطأً فادحًا بمسايرة نتنياهو فقط لإرضاء قاعدته السياسية”، داعيًا مستشاريه إلى التفكير مليًا في كيفية المضي قدمًا للحفاظ على مصداقية الولايات المتحدة، خصوصًا في دول الخليج”.

رامي الأمين

كاتب وصحافي لبناني يعيش في الولايات المتحدة الأميركية. حائز درجة ماجستير في العلاقات الإسلامية والمسيحية من كلية العلوم الدينية في جامعة القديس يوسف في بيروت. صدر له ديوان شعري بعنوان "أنا شاعر كبير" (دار النهضة العربية - 2007)، وكتيب سياسيّ بعنوان "يا علي لم نعد أهل الجنوب" (خطط لبنانية - 2008)، وكتاب عن مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان "معشر الفسابكة" (دار الجديد - 2012) وكتاب بعنوان "الباكيتان- سيرة تمثال" (دار النهضة العربية- ٢٠٢٤)


اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك لتصلك أحدث التقارير من الحرة

* حقل الزامي

اترك رد

https://i0.wp.com/alhurra.com/wp-content/uploads/2025/08/footer_logo-1.png?fit=203%2C53&ssl=1

تابعنا

© MBN 2025

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading