في لحظة رمزية، وقف عشرات من أبناء الجالية السورية في العاصمة الأميركية، واشنطن، لاستقبال رئيس من بلدهم يدخل البيت الأبيض للمرة الأولى منذ استقلال سوريا عام 1946.
شاركوا بأهازيج ورقصات دبكة، ولوّحوا بالأعلام ورفعوا لافتات تُطالب برفع “عقوبات قيصر”، فيما كان الرئيس السوري أحمد الشرع يعقد محادثات داخل البيت الأبيض في خطوة تعكس تحولا كبيرا في مسار العلاقات بين واشنطن ودمشق.

الشرع يحيّي مؤيديه بعد لقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض بالعاصمة واشنطن، الولايات المتحدة، في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2025.
بروتوكول متواضع
جرت المحادثات بإجراءات بروتوكولية متواضعة على غير العادة؛ إذ أُدخل الشرع إلى البيت الأبيض عبر مدخل جانبي من دون المراسم المعتادة في استقبال الرؤساء، وفي غياب عدسات الكاميرات، كما ولم يُسمح للصحفيين بالدخول إلى المكتب البيضاوي لتغطية اللقاء أو توجيه أسئلة، على جري العادة.
وتركّز اللقاء على ملفات العقوبات، والتعاون الأمني ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وإعادة دمج سوريا في النظامين الإقليمي والدولي.

تمديد إعفاءات “قيصر”
وبعد وقت قصير من بدء اللقاء، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية تمديد الإعفاء من بعض بنود “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا” لمدة 180 يوما إضافية، في إشارة اعتُبرت دعما للقيادة الجديدة في دمشق. وأكد بيان الخزانة أن الخطوة “تعكس التزام واشنطن بمواصلة تخفيف العقوبات”، مع استثناء المعاملات المرتبطة بروسيا أو إيران، أو تحويلات تخص بضائع وتقنيات ذات منشأ منهما.

تأتي زيارة الشرع إلى واشنطن بعد أقل من عام على توليه السلطة في دمشق بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي.
ومنذ توليه السلطة، أعاد الشرع توجيه بوصلة السياسة السورية مبتعدا عن إيران وروسيا، ومقتربا من تركيا ودول الخليج والولايات المتحدة، إلى جانب مساعيه للتوصل إلى اتفاق أمني مع إسرائيل.
وكان ترامب قد التقى الشرع لأول مرة في العاصمة الرياض في مايو الماضي، وأشاد به أمام الصحفيين واصفاً إيّاه بأنه “شاب وجذّاب، رجل قوي، وصاحب ماضٍ قوي جداً… مقاتل”.
تحوّل في الموقف الأميركي
شهدت الأشهر الأخيرة تحولاً لافتاً في التعاطي الأميركي مع الرئيس السوري الذي كانت واشنطن قد صنفته “إرهابيا” تحت اسمه الجهادي “أبو محمد الجولاني”.
في مايو رُفع اسمه من قوائم الإرهاب، وأُعيد فتح قنوات الاتصال الدبلوماسية تدريجياً، قبل أن تقود واشنطن الخميس تصويتاً في مجلس الأمن لإلغاء العقوبات الأممية المفروضة عليه شخصياً.
وفي سبتمبر، اعتلى الشرع منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك كأول رئيس سوري يُلقي كلمة هناك منذ عقود.
ويعتبر مسؤولون أميركيون أن “براغماتية” الشرع قد تتيح فرصة لإرساء الاستقرار في سوريا بعد 14 عاماً من الحرب والانقسام.

أجندة أمنية واتصالات إقليمية
بحث الجانبان انضمام سوريا رسمياً إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، عقب إعلان دمشق إحباط محاولتي اغتيال استهدفتا الشرع خلال الأشهر الماضية.
وخلال الشهر الجاري، نفذت السلطات عمليات استباقية واسعة ضد خلايا التنظيم على مستوى البلاد؛ وأعلنت وزارة الداخلية تنفيذ 61 مداهمة أسفرت عن توقيف 71 شخصاً ومصادرة كميات من المتفجرات والأسلحة.
كما تناولت المباحثات ترتيباتٍ أمنية إقليمية تشمل وساطةً أميركية لفتح قناة اتصال غير معلنة بين دمشق وإسرائيل لتخفيف التوتر جنوبي البلاد، إلى جانب جهودٍ لإدماج القوات الكردية ضمن مؤسسات الدولة الجديدة بما يقلّص الحاجة إلى قواتٍ أجنبية على الأرض.

عزت وجدي
عزت وجدي صحفي ومنتج أفلام وثائقية يمني يقيم في العاصمة الأميركية واشنطن، يحمل درجة الماجستير في الدراسات الإعلامية


