لبنان وإسرائيل: تفاوض مباشر؟

لطالما قال مسؤولون لبنانيون، بشأن السلام مع إسرائيل، إن لبنان سيكون “آخر من يوقّع”. حتى السياسيين المناهضين لـ”حزب الله”، كانوا يرددون مثل هذا الكلام 

في أغسطس من العام 2006، بعد انتهاء حرب دامت 33 يوما بين إسرائيل و”حزب الله،” وبعد دعوات من رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود باراك لتوقيع اتفاق سلام مع لبنان، قال رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة، في تصريحات إعلامية، إن لبنان سيكون آخر من يوقع اتفاق سلام مع إسرائيل، رافضا إجراء اتصالات مباشرة مع المسؤولين الإسرائيليين. 

اليوم يعود الجدل اللبناني بشأن التفاوض المباشر مع إسرائيل، بعد جولات طويلة من التفاوض غير المباشر على مر السنوات الماضية، آخرها كان لدى توقيع وقف إطلاق النار، وقبلها لدى التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وهي اتفاقات جرت بوجود وسيط أميركي وبحضور قوات اليونيفيل وفرنسا. 

مؤخرا صدر تصريح عن المبعوث الأميركي إلى سوريا، السفير الأميركي في تركيا، توم براك، يطلب فيه من الرئيس اللبناني جوزف عون الاتصال مباشرة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والتفاوض معه، خصوصا بعد فشل الحكومة اللبنانية في الالتزام بتعهداتها بسحب سلاح حزب الله، وهو الأمر الذي دفع الإسرائيليين إلى التلويح بعمل عسكري واسع في لبنان لإتمام المهمة. 

على إثر ذلك برزت معطيات عن استعداد لبنان للتفاوض مع إسرائيل، وجرى الحديث عن شخصيات سياسية وديبلوماسية ستنضم إلى الوفد اللبناني التقني الذي ينسق مع الإسرائيليين ضمن آلية تنفيذ وقف إطلاق النار برعاية أميركية وفرنسية. مصادر مطّلعة على هذه التطورات قالت لـ MBN إن “المسؤولين اللبنانيين يرغبون بالتفاوض، وإن إدخال عنصر سياسي أو ديبلوماسي إلى الوفد المفاوض (مع الميكانيزم) وارد. 

وأشارت المصادر أيضا إلى أن المسؤولين اللبنانيين يريدون بشدة محادثات غير مباشرة مع إسرائيل عبر الأميركيين، كما حدث في ملف ترسيم الحدود البحرية، أي تواجد وفدين لبناني وإسرائيلي بحضور الأميركيين في مكان واحد ويتولى الأميركيون التواصل غير المباشر. ويبدو أن طريقة المحادثات تظل نقطة خلاف جوهرية بين بيروت وواشنطن: إذ تفضل السلطات اللبنانية مفاوضات غير مباشرة، في المقابل، قال مصدر أميركي لـ MBN إن الأميركيين يفضلون المحادثات المباشرة. 

ويصل مسؤولون أميركيون إلى لبنان تباعاً هذا الأسبوع، يحملون رسالة مفادها التشديد على ضرورة أن تأخذ الحكومة اللبنانية ملف نزع السلاح على محمل الجد، وفقا لمصدر أميركي. والهدف هو “مواصلة الضغط، ولكن البقاء واقعيين بشأن ما يمكن للحكومة اللبنانية فعله فعليا“. 

وقال مصدر لبناني إن المسؤولين اللبنانيين “لا يعرفون مع من يتحدثون” على الجانب الأميركي. فتوم باراك “لم يعد مسؤولا عن الملف اللبناني”، و”مورغان أورتاغوس ليست متفرغة”، والسفير الجديد “لم يتسلم مهام منصبه بعد”، على حد قول المصدر. 

وبحسب الكاتب والمحلّل السياسي، يوسف دياب، فإن زيارة وفد وزارة الخزانة الأميركية برئاسة نائب مساعد الرئيس الأميركي لشؤون مكافحة الإرهاب الدكتور سيباستيان غوركا، إلى بيروت الأحد الماضي، “لم تركز فقط على ملفات تمويل الإرهاب ومكافحة تبييض الأموال، بل كذلك على ملف نزع سلاح حزب الله”. ولفت دياب في حديث مع “الحرة” إلى أن التقارير الغربية تتحدث عن “مهلة تمتد حتى نهاية العام الجاري كي تظهر الدولة اللبنانية تقدما ملموسا في هذا الملف”.

وأكد الوفد الأميركي لرئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون، الاستعداد لمساعدة لبنان في سعيه لتحقيق الأمن والاستقرار في الجنوب ودعم الجيش لبسط سلطة الدولة على الأراضي اللبنانية كافة وإلغاء المظاهر المسلحة وتمكين القوى الأمنية الشرعية من القيام بدورها كاملا.

وترى مصادر لبنانية أن مسألة نزع سلاح حزب الله ستأخذ وقتا، و”مهلة الشهرين حتى نهاية العام غير واقعية. إسرائيل أخذت أكثر من سنتين مع دمار هائل في غزة ولم تستطع القضاء على حماس ولا حل مسألة سلاحها”.

وبحسب المصادر، فإن اللبنانيين يعتبرون أن فتح مفاوضات مع إسرائيل سيعزز موقعهم لدى الأميركيين ويعكس مدى تعاون اللبنانيين، وينقل رسائل حسن نية إلى الأميركيين، ويمكن أن يخلق تفهّما أو تفاهما بين اللبنانيين والإسرائيليين، وتريد الرئاسة اللبنانية ان توصل للإسرائيليين ان ما يفعلونه قد تكون نتائجه عكسية وقد يفيد حزب الله، ويضر بالدولة اللبنانية. 

وبما أن سوريا الشرع بدأت مفاوضات مباشرة مع الإسرائيليين، تنقل المصادر أن المسؤولين اللبنانيين يعلمون أن لبنان بات متأخرا عن موضوع التفاوض، وأن القطار سيفوته إذا لم يركب في المحطة المقبلة. ومع أن الرئيس اللبناني والحكومة لا يزالان يصرّان على أن تكون المفاوضات غير مباشرة، لكن، بحسب المصادر، “يمكن أن يتغير هذا الموقف في المستقبل“. 

رفض التفاوض المباشر كان شائعاً في مرحلة سيطرة النظام البعثي السوري على لبنان (1990-2005). وكان يُربط مصير لبنان دائما بمصير سوريا في المفاوضات عبر مقولة “وحدة المسار والمصير”، والمقصود مسار المفاوضات. 

وفي حين أن سوريا حافظ الأسد أجرت مفاوضات مباشرة مع الإسرائيليين، والتقى وزير الخارجية السوري فاروق الشرع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك في الولايات المتحدة، برعاية من الرئيس الأميركي بيل كلينتون في العام 2000، لم ينخرط لبنان، حينذاك، بأي نوع من المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، كما التزم ببنود المبادرة العربية للسلام (بيروت 2002) التي نصت على التوصل إلى سلام عادل وشامل بين الدول العربية وإسرائيل بعد انسحاب إسرائيل الى حدود العام 1967، ومن هضبة الجولان السورية، والاعتراف بحل الدولتين، وهو ما لم يحدث حتى اليوم. 

تاريخياً، خاض لبنان تجربة التفاوض المباشر مع إسرائيل في العام 1983، وتوصل الطرفان الى معاهدة سلام وُقِّعت في 17 مايو العام نفسه، وسط أوضاع سياسية وأمنية متخبطة نتيجة الحرب الأهلية اللبنانية. وافق مجلس الوزراء اللبناني آنذاك على الاتفاق وأرسله إلى مجلس النواب، حيث أيده 65 نائبا وعارضه نائبان وتغيّب 19 نائبا. لكن الاتفاق لم يصمد بعد رفضه من مكونات سياسية وطائفية، وغياب الإجماع عليه، وجرى إلغاء الاتفاق رسميا بعدها بسنوات في العام 1987. 

رامي الأمين

كاتب وصحافي لبناني يعيش في الولايات المتحدة الأميركية. حائز درجة ماجستير في العلاقات الإسلامية والمسيحية من كلية العلوم الدينية في جامعة القديس يوسف في بيروت. صدر له ديوان شعري بعنوان "أنا شاعر كبير" (دار النهضة العربية - 2007)، وكتيب سياسيّ بعنوان "يا علي لم نعد أهل الجنوب" (خطط لبنانية - 2008)، وكتاب عن مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان "معشر الفسابكة" (دار الجديد - 2012) وكتاب بعنوان "الباكيتان- سيرة تمثال" (دار النهضة العربية- ٢٠٢٤)


اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك لتصلك أحدث التقارير من الحرة

* حقل الزامي

اترك رد

https://i0.wp.com/alhurra.com/wp-content/uploads/2025/08/footer_logo-1.png?fit=203%2C53&ssl=1

تابعنا

© MBN 2025

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading