“الإقامة في الخليج”.. عصا التنمية السحرية

فيما يشبه السباق بينها، تحاول الدول الخليجية استقطاب الكفاءات المهنية وتأمين العمالة اللازمة لتنفيذ خططها التنموية.

واعتمدت هذه الدول، في السنوات الماضية، مقاربات جديدة لفتح مسارات لدخول مستدام لرأس المال الاستثماري والبشري، وتغذية قطاعات ناشئة تحتاج إلى مهارات وخبرات غير متوفرة محليّا.

آخر الخطوات في طريق هذا السباق جاءت من السعودية، التي أعلنت منح إقامة رائد أعمال لأكثر من 100 مبتكر من نحو 20 دولة، وذلك خلال ملتقى “بيبان 2025″.

وتستعدّ المملكة أيضاً للبدء، في 28 يناير المقبل، في تنفيذ قرار منح إقامة دائمة مدى الحياة لمن يشتري عقاراً سكنيّا بقيمة لا تقل عن 4 ملايين ريال (1.066 مليون دولار)، وذلك في وهو تطور يعدّ الأول من نوعه في سوق لطالما كانت شديدة التحفّظ حيال الملكية الحرة للأجانب.

ومع تحقيق هذه الدول نجاحات متفاوتة في جذب المستثمرين والعمال المهرة، يتجاوز النقاش الاقتصادي سؤال العائد المباشر من هذه التسهيلات، لينصبّ على إعادة تشكيل الطلب الداخلي وتحفيز الأسواق ورسم خريطة سكانية واقتصادية جديدة لـ”اقتصادات ما بعد النفط”.

سباق الكفاءات ورأس المال

تتشابه المقاربات التي اعتمدتها دول مجلس التعاون لجذب “المال الاستثماري” والكفاءات المهنية، لكنها آلياتها مختلفة.

في الإمارات، بلغ عدد الإقامات الذهبية الصادرة عام 2024 نحو 500 ألف، بعد أن كان عدد حامليها في 2023 نحو 158 ألفاً.

وتختلف رسوم تأشيرة الإقامة بحسب الفئة؛ إذ يدفع المستثمر ما بين 6,000 درهم (1634 دولار) و11,000 درهم (2995 دولار).

أما السعودية، فقد اتخذت أخيراً خطوات متنوعة لتسهيل إجراءات طلب التأشيرات للمستثمرين والعمال المهرة وخففت من شروطها. وتم إصدار  8,074إقامة خلال عام  2024، بينما تلقت “منصّة التأشيرات” الرسمية أكثر من  40ألف طلب بين يناير 2024 ويوليو 2025.

وتبلغ تكلفة الإقامة الدائمة في المملكة 800 ألف ريال. أما الإقامة السنوية فتكلّف  100 ألف ريال سنويّا، فيما يتطلّب المسار الاستثماري امتلاك عقار بقيمة  1.06 مليون دولار.

وفي قطر، ثمة إمكانية للحصول على إقامة استثمارية مقابل شراء عقار بقيمة 200 ألف دولار.

عُمان، بدورها، أدخلت برنامجاً يعتمد مسارين: الأول إقامة لمدة 5 سنوات مقابل استثمار650  ألف دولار. أما الثاني، فيتمثّل في الحصول على إقامة لمدة 10 سنوات مقابل1.3  مليون دولار.

وتقدم البحرين أحد أكثر الأنظمة مرونة في دول مجلس التعاون الخليجي. فقد منحت المملكة أكثر من 10,000 إقامة ذهبية حتى نهاية 2024، شرط شراء عقار بقيمة 200 ألف دينار بحريني (530 ألف دولار).

الكويت لم تطلق برامج محددة بخصوص سياسات منح الإقامة للمستثمرين، لكنها تقوم بمراجعة سياساتها الحالية، وفقاً لتقارير صحفية.

وتشي هذه السياسات بتحوّل الإقامة إلى أداة لإعادة تشكيل أسواق العمل والتملّك وتحقيق التنمية وتنويع مصادر الاقتصاد.

ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور محمد العسومي، في حديثه مع “الحرة”، إن “ثمة تحوّلاً غير مسبوق في مسار التنمية، وإن ما يميّز المشهد الخليجي اليوم هو التنوع بين الدول لا التشابه”.

ويؤكد أن “دخول دول المجلس عالم المنافسة التكنولوجية والعلمية ” بات ضرورة ملحة تفرضها طبيعة الاقتصاد المعاصر.

أما الاقتصادي يوسف الهوتي فيعتبر أن تنافس دول الخليج على تطوير أنظمة الإقامة ليس مجرد سباق رمزي بل “ظاهرة صحية” تساهم في تدوير الأموال وتغذية القطاعات الإنتاجية، لافتاً إلى أن هذا التنافس يعزز القوة الشرائية في الأسواق الخليجية، خصوصاً في المدن التي لم تصل بعد إلى حدّ التشبع السياحي وتحتاج إلى تنشيط موسمي”.

انعكاسات اقتصادية متنوعة

تبيّن الأرقام والسياسات المتعلّقة بالحصول على الإقامة في إحدى الدول الخليجية، أن غالبيتها تستهدف رأس المال الاستثماري الذي يتراوح بين 200 ألف دولار وأكثر من مليون دولار.

وتأمل هذه الدول أن تسهم سياساتها بخصوص منح “إقامات الملكية” وتأشيرات العمالة الماهرة، في تحقيق عوائد اقتصادية عدة.

ويوضح الهوتي أن أهم هذه العوائد هو تنشيط سوق العقار، موضحاً أن التملّك العقاري “يضيف إيرادات للخزينة عبر الرسوم المباشرة وغير المباشرة، ويحرّك الأموال ويعزّز القيمة المضافة وينشّط حركة البناء ضمن مساحات جاهزة للاستثمار لم تتم الاستفادة منها”.

لكن هذه السياسات يمكن أن تنعكس سلباً على جهود الدول الخليجية بشأن توطين العمالة فيها، لكن الهوتي يشدد على أن السيطرة على هذه التحدّيات ممكنة عبر تشريعات تلزم المستثمرين بإعطاء الأولوية للمواطنين وبرامج تأهيل مهني تعزز قدرتهم على المنافسة”.

ويسعى عدد من الدول الخليجية إلى مواكبة التحولات الاقتصادية العالمية، والاستفادة من الخبرات التكنولوجية وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو أمر يزيد من أهمية استقطاب الكفاءات المهنية.

ويعتبر العسومي أن “الخبرات الوافدة ستنقل بشكل تراكمي إلى سوق العمل المحلي لتسهم في بناء ثروة بشرية قادرة على التعامل مع الاقتصاد التكنولوجي الجديد”.

وفي ما يتعلق بالمخاوف الاجتماعية بشأن ارتفاع أسعار العقار أو حدوث اختلالات في سوق الوظائف بسبب هذه السياسات، يرى العسومي أن “هذه المخاوف غير مدعومة بالمؤشرات، وأن التعليم النوعي وتزايد معدلات التنمية السكانية يوفّران أرضية متوازنة قادرة على امتصاص آثار هذه التحولات”.


اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك لتصلك أحدث التقارير من الحرة

* حقل الزامي

اترك رد

https://i0.wp.com/alhurra.com/wp-content/uploads/2025/08/footer_logo-1.png?fit=203%2C53&ssl=1

تابعنا

© MBN 2025

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading