فخ “رسالة الأمان” الإيرانية

“مصير ابني مجهول منذ عودته إلى إيران، قبل نحو 6 أشهر، إثر حصوله على رسالة أمان من القنصلية الإيرانية في محافظة السليمانية”، تقول فاطمة محمودي والدة سردار لـ”الحرة”.

سردار شاب إيراني قرر العودة إلى إيران، مثل العديد من إيرانيي الخارج، استجابة لدعوات تطلقها طهران، بين أونة وأخرى، لإعادة المغتربين، وخاصة المعارضين بوعود بـ”العفو” وتوفير فرص العمل.

كان سردار عاملا بأجر يومي في السليمانية، وبعد فترة فقد عمله، لذلك كان من السهل وقوعه في فخ الوعود بالأمان التي تطلقها سلطات بلاده، تقول والدته.

تلقى سردار “رسالة”، أخبرته السلطات الإيرانية فيها إنها تضمن عدم تعرضه للاعتقال داخل إيران. “رغم طلبت منه العدول عن قرار العودة لم يستجب لي وعاد، تضيف.

لم تلحق والدة سردار بابنها، وما زالت في إقليم كردستان، لكن أقرباءها في إيران يبحثون عن ابنها الذي لم تكشف الأجهزة الأمنية الإيرانية بعد للعائلة مكان اعتقاله وأسباب الاعتقال، وليست لدى والدته معلومات سوى أن ابنها بعد وصوله إلى داخل إيران اعتقل على يد قوة تابعة للاطلاعات “الاستخبارات” الإيرانية.

يقول ناشطون ومختصون إيرانيون في مجال حقوق الانسان لـ”الحرة” إن السلطات الإيرانية لم تتوقف طيلة السنوات الماضية عن مساعيها إعادة المعارضين واللاجئين الإيرانيين إلى البلاد، وتحاول إغواءهم بوعود التبرئة والامتيازات، لكن سرعان ما تعتقلهم فور وصولهم إلى إيران.

وصادق البرلمان الإيراني في يوليو الماضي، على قانون “دعم وحماية ورعاية حقوق الإيرانيين في الخارج وهويتهم ورأس مالهم الاجتماعي”. ويركز القانون على “استقطاب النخبة” من إيرانيين الخارج.

وخصصت وزارة الخارجية الإيرانية، وفق قانون “دعم الإيرانيين في الخارج”، بوابة الكترونية لاستقبال طلبات الإيرانيين الموجودين خارج البلاد الذين يختارون العودة عبر إدخال بياناتهم في البوابة، للتحقق مما إذا كانوا خالين من مشاكل السفر إلى إيران، وعند خلوهم منها يتلقون العلامة الخضراء كرسالة طمأنة.

ونقلت وكالة “خبر أونلان” المقربة من الحرس الثوري الإيراني عن نائب وزير حقوق الإنسان والشؤون الدولية بوزارة العدل الإيرانية، عسكر جلاليان، قوله: “بموجب مشروع قانون حماية الإيرانيين في الخارج، لن يُعاقب الأشخاص الذين غادروا البلاد بشكل غير قانوني، ويمكنهم العودة إلى وطنهم دون قلق”.

لكن منظمة “هنغاو” المختصة برصد انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، تقول إن القنصليتين الإيرانيتين في إقليم كردستان – العراق تعملان على “إغواء الكرد الإيرانيين وخاصة المعارضين، بـ”رسالة الأمان”، بالعودة إلى إيران.

“غالبية الذين خدعوا بدعوات السلطات الإيرانية وحصلوا على رسالة الأمان وعادوا بوجبها الى إيران حكموا بالسجن ومنهم من ينتظر في المعتقلات المحاكمة، والقضايا التي اعتقلوا بموجبها ما زالت مبهمة ومصيرهم مجهول،” تقول عضوة الهيئة الإدارية في منظمة “هنغاو”، جيلا مستأجر لـ”الحرة”،

وتضيف مستأجر أن النظام في إيراني يسعى بشكل مكثف منذ انطلاقة حركة “المرأة. الحياة. الحرية” الاحتجاجية في سبتمبر عام 2022 إلى إعادة الإيرانيين من خارج البلاد، خصوصا الذين يختلفون معه فكريا أو الذين هربوا من إيران لدوافع أمنية وسياسية.

وتقول مستأجر إن السلطات الإيرانية تريد إعادة المعارضين الايرانيين لأنها تخشى استمرارهم في كشف انتهاكات النظام ضد الإيرانيين في الداخل للرأي العالمي.

وترى مستأجر إن الإغراء بالعفو واحد من وسائل عديدة تحاول من خلالها الاستخبارات الإيرانية استدراج إيرانيي الخارج.

“داخليا يريد النظام أن يقول للإيرانيين إنه قادر على الوصول إلى كل من يعارضه، حتى لو كان في الخارج ويعيده الى إيران، سواء عن طريق الاختطاف، أو أغوائهم عبر منحهم عفوا مزيفا ليعودوا من تلقاء حالهم، ومن ثم يعتقلهم ويحاكمهم بالسجن أو الإعدام”.

ولعل أحد أبرز الإيرانيين الذين اعتقلتهم السلطات الإيرانية بعد عودتهم الى طهران، هو الصحافي الإيراني الأميركي رضا ولي زاده، الذي عاد إلى إيران عام 2023، وفور عودته اعتقلته السلطات الإيرانية، وأعلن محاميه في ديسمبر الماضي أن المحكمة أصدرت حكما بالسجن لمدة 10 سنوات على ولي زاده ، ونقل عقب اصدار الحكم إلى سجن إيفين.

وفي سبتمبر الماضي، أبلغ شقيق رضا ولي زادة لجنة حماية الصحفيين الدوليين “CPJ” أن شقيقه ومجموعة من السجناء الآخرين نقلوا بعد الغارة الإسرائيلية على بوابة سجن إيفين في 25 يونيو الماضي إلى سجن فشافويه، وقال إن شقيقه يعاني من الربو وتدهورت حالته الصحية بسبب اكتظاظ سجن فشافويه وأجوائه غير الملائمة طبيا، والإهمال الشديد للسجناء، فاقم من الحالة الصحية المتدهورة لشقيقه ولي زادة الذي يعاني من مرض الربو.

ويرى الناشط والصحفي الاستقصائي الإيراني الأميركي، رضا فرنود، أن ما يسمى بدعوة الإيرانيين المتواجدين في الخارج للعودة الى البلاد “ليست بادرة حسن نية”، بل “مناورة سياسية عالية المخاطر وفخ مُغلّف بلغة مهذبة”.

“تصل رسائل مألوفة مجددا إلى الإيرانيين  المقيمين في الخارج مفادها، عودوا؛ قضيتكم محلولة؛ لن يحدث شيء.  قد تبدو النبرة وديةً بشكلٍ مُحبط، لكن توقيتها يكشف الكثير. فكلما اكتسب الشتات زخما سياسيا أو اشتد التدقيق الدولي، تُعيد الجمهورية الإسلامية إحياء هذا التكتيك” يقول فرنود لـ”الحرة”

يشير فرنود الى أن دعوة الإيرانيين في الخارج للعودة الى بلادهم، ظهرت بصورتها الحديثة عام 1997 في عهد الرئيس محمد خاتمي. في ذلك الوقت، أصرّ المسؤولون الإيرانيون على إتلاف الملفات الأمنية للعائدين، لكن هذا الوعد انهار لحظة وصولهم إلى الأراضي الإيرانية.

ويخلص فرنود الى أن العديد ممن قبلوا العرض واستجابوا للدعوة واجهوا عند وصولهم إيران الاعتقال والاستجواب معصوبي الأعين، وفرضت عليهم المراقبة وقيود السفر.

“النمط الذي استخدمه نظام الجمهورية الإسلامية كان واضحا جليا: وعودٌ ناعمة في الخارج وتكتيكاتٌ صارمة في الداخل”، يقول فرنود، وأن أهداف النظام من اتباع هذه السياسية، هي للحد من الضغط السياسي من الخارج، وتفتيت شبكات المعارضة، وإعادة تأكيد السيطرة من خلال إعادة الإدماج الانتقائية.

وتقول السلطات الإيرانية إن إصدار قانون دعم الإيرانيين في الخارج هدفه التواصل والاستفادة من القدرات العلمية والتكنولوجية التي يتمتع بها الإيرانيون في الخارج، من أجل تحقيق النمو العلمي والاقتصادي للبلاد.

وخلال اجتماع عقده مع الكتلة البرلمانية الداعمة للإيرانيين في الخارج، أشار وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، وفق وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “ارنا”، إلى “أهمية تعزيز دور الإيرانيين في الخارج في صنع القرار الداخلي”

أما المحلل السياسي الإيراني، فرزين كرباسي، المقيم خارج إيران، فيلفت إلى بعد آخر في الموضوع.

“النظام الإيراني يتخذ من الإيرانيين مزدوجي الجنسية العائدين إلى البلاد رهائن ومن ثم يبادلهم مع دبلوماسيه المحتجزين في أوروبا إثر تنفيذهم عمليات اغتيال وهجمات إرهابية. وهذه السياسة متبعة من قبل الجمهورية الإسلامية منذ الثمانينيات”، يضيف كرباسي لـ”الحرة”.

وبحسب كرباسي، الذي يعتمد في معلوماته على شبكة واسعة من الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان في إيران، لا يمر يوم في إيران من دون أن تعتقل الأجهزة الأمنية عددا من العائدين إلى البلاد، بمن فيهم الأجانب الذين يقبلون على إيران للسياحة.

لكن والدة سردار، التي يستبد بها القلق على مصير ابنها المعتقل في إيران منذ أشهر، لم تفقد الأمل بعد في التوصل إلى معلومات عن أحواله، وتطالب، عبر “الحرة” المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بالضغط على السلطات الإيرانية لإطلاق سراحه، وسراح أقرانه المعتقلين الذين استدرجوا إلى فخ “رسالة الأمان” الإيرانية.


اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك لتصلك أحدث التقارير من الحرة

* حقل الزامي

اترك رد

https://i0.wp.com/alhurra.com/wp-content/uploads/2025/08/footer_logo-1.png?fit=203%2C53&ssl=1

تابعنا

© MBN 2025

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading