لم يكن الحديث الذي سرّبته هيئة البث الإسرائيلية عن تحذيرات وزير الدفاع يسرائيل كاتس بخصوص احتمال اقتحام السياج الحدودي من داخل سوريا، وحتى من قبل عناصر حوثية، مجرد توصيف نظري لسيناريو بعيد. فبالتوازي تقريبًا، كان الجيش الإسرائيلي يستعدّ لتنفيذ عملية معقدة في بلدة بيت جن السورية، وفق ما أكدته مصادر خاصة لقناة “الحرة”.
في ساعة مبكرة من فجر الجمعة، نفذت قوات “لواء رأس الحربة” (55) التابعة لقوات الاحتياط وبقيادة الفرقة 210، عملية عسكرية في بلدة بيت جن الواقعة جنوب سوريا، بهدف اعتقال مطلوبين من تنظيم “الجماعة الإسلامية”، الذين قالت إسرائيل إنهم كانوا ينشطون في تطوير مخططات إرهابية ضدها.
ووفقًا لبيان الجيش الذي تلقت “الحرة” نسخة منه، تمت عملية الاعتقال داخل المنزل من دون مقاومة تُذكر، لكن فور خروج القوات من الموقع، تعرّضت لإطلاق نار كثيف من مسافة تقدّر بنحو 200 متر، استهدف إحدى المركبات العسكرية، ما أسفر عن إصابة ستة جنود، بينهم ضابطان ومقاتل احتياط بجروح خطيرة.
وردّت القوات الإسرائيلية بإطلاق نار مباشر، مدعومة بغطاء جوي، وخاضت مواجهة وجهًا لوجه داخل أحد المباني مع عدد من المسلحين. وقد أسفرت هذه المواجهة عن تحييد عدد منهم، وفق بيان الجيش، واستكمال العملية وفق المخطط لها، فيما أعلن مدير “صحة ريف دمشق”، توفيق حسابا، أن 13 شخصاً قتلوا جرّاء الهجوم الإسرائيلي على بيت جن.
وفي توثيق نشره الجيش لاحقًا من كاميرات الجسم المثبتة على الجنود، يظهر القتال من مسافة صفر بين الجنود والمهاجمين، ما يعكس شدة الاشتباك.
مصادر أمنية خاصة أوضحت للحرة أن هذه العملية لم تكن عشوائية، بل جاءت نتيجة جمع معلومات استخبارية دقيقة على مدى الأسابيع الماضية، وتمثل جزءًا من سلسلة اعتقالات ضمن عملية موسعة تُعرف باسم “حِتس هباشان”، تنفذها الفرقة 210 ضد خلايا تنشط في جنوب سوريا، وتحديداً في محيط القنيطرة وريف دمشق الجنوبي الغربي.
وبحسب المصادر ذاتها، فقد تم توقيف ثلاثة سوريين ينتمون إلى بنى تنظيمية تنشط في التهريب والتخطيط لهجمات داخل الجولان، وأن إسرائيل أرادت توجيه رسالة مزدوجة: عمليات استباقية داخل أراضي “العدو”، ومنع استعادة قدرات الجماعات المسلحة هناك.
وفي تعقيب خاص على العملية، قال مصدر أمني رفيع إن “الجيش الإسرائيلي يعمل ضمن مفهوم جديد يفرض التقدم إلى الأمام، والدفاع من عمق أراضي العدو، وليس فقط من خلف الخط الحدودي”، مشدداً على أن “الواقع الأمني الذي كنا فيه قبل السادس من أكتوبر لن يتكرر”.
التخطيط للعملية ترافق مع تصريحات مثيرة أطلقها وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، خلال جلسة مغلقة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، قال فيها إن إسرائيل “ليست في اتجاه سلام مع سوريا”، محذراً من وجود قوات تعمل داخل الأراضي السورية، من بينها جماعة الحوثي، وتدرس احتمال تنفيذ توغّل بري نحو بلدات الجولان.
وأشار كاتس إلى أن “سوريا ليست على جدول السلام”، وأن إسرائيل تراقب تحركات الميليشيات بدقة، بما فيها تلك المرتبطة بإيران وحزب الله والحوثيين. وحذّر من “سيناريو غير مالوف” قد يشمل تنفيذ اختراق مفاجئ للحدود من قبل هذه القوى، تحت غطاء تصعيد إقليمي أو هجوم انتحاري رمزي.
كما تطرّق وزير الدفاع إلى التطورات المتعلقة بالطائفة الدرزية في جنوب سوريا، مشيراً إلى أن الجيش الإسرائيلي أعدّ خطة للتدخل الفوري إذا ما تكررت “أعمال التنكيل أو الاعتداءات” في جبل الدروز، ولو تطلب ذلك إغلاقاً ميدانيّا كاملاً للحدود.
وبدورها، نقلت القناة الرسمية الإسرائيلية عن مسؤول سوري قوله إن دمشق “منفتحة على التعامل مع أيّ ملاحظات أمنية إسرائيلية، إذا ما تم الإبلاغ عنها بشكل رسمي”، مؤكداً أن بلاده لا تنوي السماح بأيّ عمليات هجومية تُطلق من أراضيها، وأن إطلاق الصواريخ يضرّ “بمشروع إعادة بناء الدولة”.
وإذا كانت للتحرك العسكري الإسرائيلي في سوريا رسائل موجّهة للخارج، إلا أنه لا يمكن فصله أيضاً عن الحسابات السياسية الداخلية، خصوصاً مع دخول الساحة الإسرائيلية عاماً انتخابيّا محموماً، ومحاولة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزرائه تعزيز صورتهم الأمنية. ففي الأسبوع الماضي، دخل نتنياهو برفقة وزراء بارزين الأراضي السورية، وتفقدوا القوات الإسرائيلية المنتشرة في المنطقة، في خطوة حملت طابعاً رمزيّا ورسالة للنظام السوري بشان مصالح إسرائيل الأمنية وأولوياتها.
أما ما إذا كانت عملية بيت جن تشكّل مقدّمة لتوسّع عسكري إسرائيلي منضبط داخل سوريا، أم أنها تأتي في إطار ردع محدود ومتّسق مع اعتبارات انتخابية، فذلك ما ستكشفه تطورات الميدان.



