لم يكن إسماعيل ميرزاده يتخيل أن مرور ابنه جيلان بالصدفة قرب تجمع احتجاجي سيحدّد مصيره.
كان الصبي في السابعة عشرة، عندما خرج من منزله في مهاباد، غربي إيران، كما اعتاد في أي يوم عادي، لكنه اختفى، ليظهر اسمه لاحقا في مكالمة هاتفية: “أُعدم.. لن تستلموا جثته”.
يقول ميرزادة، والد جيلان، إن السلطات اعتقلت ابنه قرب تجمع للمحتجين في مدينة مهاباد في كردستان إيران، عام 2022.
وكانت المدن الإيرانية، في ذلك الوقت، قد ضجت بالاحتجاجات إثر وفاة الفتاة الكردية، مهسا أميني، بعد أن اعتقلتها الشرطة بحجة مخالفتها لقواعد الحجاب. وخرج آلاف الإيرانيينإلى الشوارع في احتجاجات حملت شعار “المرأة، الحياة، الحرةي”، وكان الصبيان والصبايا، كالمعتاد، يتقدمون صفوف المحتجين، قبل أن يجد كثيرون منهم أنفسهم في قاعات المحاكم الثورية، بتهم القتل، والتجسس، وتهديد الأمن، وكلها تهم تقود إلى المشانق.
جيلان كان واحدا من هؤلاء، إلى جانب أُميد رحماني، وعشرات آخرين لا تعرف أسرهم منذ ذلك الحين مصيرهم.
تنفذ إيران أربع عمليات إعدام يوميا، في ممارسة يرى حقوقيون إنها تتضمن رسائل ترهيب إلى شعب بأكمله.
وفي سبتمبر 2025، اشارت إحصائية صادرة عن كالة أنباء (هرانا) الحقوقية، التابعة لجمعية نشطاء حقوق الإنسان في إيران ومقرها في واشنطن، الى أن القمع الذي استخدمته السلطات الإيرانية لإنهاء احتجاجات المرأة الحياة الحرية، خلال الفترة الممتدة من سبتمبر الى ديسمبر 2022، اسفرت عن مقتل 552 شخصاً واعتقال 34 ألفاً آخرين، بينما اعدمت السلطات 12 متظاهرا حتى الآن ومازال 8 متظاهرين آخرين ينتظرون الإعدام.
لم يعلم والد جيلان بادئ المر أن ابنه محكوم بالإعدام، فالسلطات القضائية والأمنية لم تبلغه بذلك، لكنه بعد مرور أشهر من اعتقال ابنه واثناء متابعة الملف علم أن السلطات أصدرت حكم الإعدام بحق ابنه بتهمة قتل أحد العناصر الأمنية.
“لم يكن ابني قاتلا. كان في السابعة عشرة حين أُعدم. حرمتنا السلطات من توكيل محام للدفاع عنه، وبذلتُ كل ما أستطيع لإطلاق سراحه ولو مؤقتا، ودفعـت مبالغ لعدد من المسؤولين المحليين، لكنني لم أتمكن من رؤيته إلا مرة واحدة، وكان منهكا من التعذيب”، يقول والد جيلان.
لم تُخطر السلطات الإيرانية العائلة بموعد الإعدام، وفقط بعد أيام من تنفيذ الحكم تلقوا اتصالا مقتضبا من المحكمة يُبلغهم بأن جيلان قد أُعدم، فيما رفضت الحكومة تسليم جثمانه.
ومع نهاية عام 2024، وبعد أشهر من إعدامه، اضطر والده وعائلته إلى مغادرة إيران خشية اعتقالهم بتهمة دعم الاحتجاجات، فلجؤوا إلى كردستان العراق، ويعيشون اليوم بانتظار فرصة للانتقال إلى أوروبا.
وتتشابه قصة جيلان مع قصة أُميد رحماني، الذي اعتُقل وهو في السادسة عشرة خلال احتجاجات 2022. غير أن عائلة أُميد نجحت، بعد محاولات ودفع مبلغ مالي كبير، في الحصول على إفراج مؤقت له، فاستغل تلك الفترة للفرار إلى كردستان العراق، ومنها إلى إحدى الدول الأوروبية.
“اعتُقلت في مدينة أروميه بينما كنت أشارك مع مجموعة من طلاب المدارس في الاحتجاجات. احتجزونا شهورا داخل غرفة مكتظة في مقر الاستخبارات، وتعرّضنا للتعذيب يوميا بكل أنواعه، وأُجبرنا على الاعتراف بأننا مدعومون من الغرب لتنظيم الاحتجاجات”، يقول رحماني لـ”الحرة”.
ويرى رحماني نفسه محظوظا لأنه تمكن من الخروج من إيران قبل محاكمته، خلافا للعديد من أقرانه، مضيفا: “علمت عائلتي أنه بعد انتهاء فترة الإفراج المؤقت البالغة ثلاثة أشهر ستصدر بحقي عقوبة السجن المؤبد، لذلك دفعت عائلتي مبلغا كبيرا لمسؤول في المحكمة الثورية للحصول على قرار الإفراج المؤقت الذي سمح لي بالهرب.”
وتشير إحصائيات صادرة عن مركز “عبدالرحمن برومند” لحقوق الإنسان في إيران، ومقره في واشنطن، إلى أن النظام الإيراني أعدم خلال نوفمبر الماضي 194 شخصا، ليصل عدد المعدومين خلال الأشهر الماضية من العام الجاري 2025 الى 1571 شخصا.
وبحسب تقرير نشرته، في مايو الماضي، أعلنت منظمة حقوق الإنسان في إيران (IHRNGO)، مقرها في النرويج، عن إعدام 110 شخصا في إيران، مشيرة إلى أن السلطات لم تعلن إلا عن حالتين من تلك الاعدامات التي نفذتها.
ولفت التقرير الى احتمالية أن يكون ثلاثة من الذين أُعدموا أطفالا، مشيرا الى أن المنظمة الحقوقية تواصل جهودها للتحقق من أعمارهم وقت ارتكاب جرائمهم المزعومة.
وترى الناشطة الكردية الإيرانية جينو بيكزاده باباميري أن استهداف من هم دون سن 18 يعود لكونهم “مستقبل الاحتجاج في إيران وخطّه الأول”. وتقول لـ”الحرة”: “المراهقون كانوا في قلب انتفاضة المرأة، الحياة، الحرية، والسلطات تستخدم اعتقالهم وإعدامهم لإيصال رسالة تخويف واضحة: حتى أطفالكم ليسوا في مأمن.”
وتعمل باباميري، المقيمة خارج إيران منذ سنوات، على رصد انتهاكات حقوق الإنسان عبر شبكة من ناشطين ميدانيين داخل البلاد، وتركّز على الدفاع عن المحكومين بالإعدام وإيصال أصوات عائلاتهم إلى المجتمع الدولي للضغط على السلطات لوقف تنفيذ الأحكام.
وتشير إلى أن السلطات تنتزع الاعترافات من المعتقلين الشباب والمراهقين تحت الإكراه، مستغلة جهلهم بالحقوق القانونية، وحرمانهم من محام، وغياب أي حماية قانونية خلال الاحتجاز.
وتقول باباميري إن التقارير الواردة من الداخل تُظهر اتجاها متزايدا لدى السلطات لإعادة تصنيف التهم المرتبطة بالاحتجاجات كجرائم جنائية، مثل القتل أو الاتجار بالمخدرات، خصوصا ضد المنتمين للفئات المهمّشة كالأكراد والبلوش، بهدف تقديم الإعدامات على أنها “عدالة جنائية” لا قمع سياسي.
يربط القانون الإيراني سنّ المسؤولية الجنائية بسنّ البلوغ الشرعي، المحدد للفتيات عند تسع سنوات قمرية (نحو 8.7 سنوات)، وللفتيان عند خمس عشرة سنة قمرية (نحو 14.6 سنة).
ويشير الناشط السياسي الإيراني، میدیا إيزه دي، الى أن عمليات الإعدام في إيران وخاصة اعدام المراهقين زاد من الضغوطات النفسية على الأسر والمجتمعات المحلية في إيران.
“من الناحية السياسية، عززت كثرة عمليات الإعدام التي ينفذها النظام من شعور الناس بعدم الثقة بالمؤسسات القضائية والأمنية، وفاقمت من الجمود السياسي الداخلي”، يضيف ايزه دي لـ”الحرة”.
ويكشف ايزه دي، الذي يعيش في أوروبا ويتابع منذ سنوات ملف هجرة الإيرانيين إلى الخارج وحقوق الانسان في إيران، عن اضطرار آلاف من العائلات الإيرانية إلى مغادرة البلاد خلال العقد الماضي، واللجوء إلى أوروبا وأميركا والدول المجاورة لإيران إثر ازدياد حالات القمع الحكومي ضد الشباب والمراهقين.
وفي أكتوبر الماضي، دعت منظمة العفو الدولية، الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الى التصدي لموجة الإعدامات الصادمة التي تنفذها السلطات الإيرانية بالسرعة الطارئة التي يقتضيها الوضع.
وضمن تقرير نشرته المنظمة الدولية على موقعها، قال حسين بيومي، نائب مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في العفو الدولية، إن “ما يزيد على 1000 شخص أُعدموا في إيران منذ بداية 2025 ، أي بمعدل أربع عمليات إعدام في اليوم.”
وأشار بيومي إلى أن السلطات الإيرانية استخدمت عقوبة الإعدام كسلاح بصورة متزايدة لبث الخوف في صفوف السكان، وسحق المعارضة، ومعاقبة المجتمعات المهمشة. مبينا أن عدد عمليات الإعدام التي نفذتها إيران العام الحالي وصل إلى مستوى لم تشهده البلاد منذ عام 1989.

دلشاد حسين



