فجاة، ومن دون مقدمات، خيم الظلام على مدن إقليم كردستان العراق، وأضاء حقل كورمور في السليمانية السماء، الأربعاء، الأسبوع الماضي، بعد هجوم اتُهمت الميليشات العراقية المتحالفة مع إيران بتنفيذه.
يتصف الحقل، الذي تديره شركة إماراتية، بأهمية استراتيجية كبيرة، فهو أحد أكبر حقول الغاز في البلاد، باحتياطي يبلغ 8 ترليون قدم مكعب، وينتج يوميا نحو 450 مليون قدم مكعب من الغاز، ويوفر أكثر من 80% من قدرة توليد الكهرباء في إقليم كردستان.
“يفترض الجميع أن الميليشيات المدعومة من إيران تقف وراء هذا الهجوم. من غير الواضح ما الذي تسعى هذه المجموعات إلى تحقيقه أو ما الرسالة التي تريد إيصالها، باستثناء إظهار أنها لا تزال قوة لا يُستهان بها،” يقول لـ”الحرة” مات ريد، نائب رئيس “فورين ريبورتس”، وهي شركة استشارات في مجال الطاقة في واشنطن تركز على الشرق الأوسط.
“هذه الميليشيات وأحزابها السياسية تلعب بالنار، لإن الإدارة الأميركية الحالية مرتابة منها بشدة، ومن نفوذها وروابطها مع إيران، وهجمات كهذه قد تؤدي إلى رد أميركي، سواء كان اقتصاديا أو دبلوماسيا. الصبر في واشنطن بدأ ينفد” يضيف ريد.
في ساعة متأخرة من مساء أمس الأربعاء، أعلنت الحكومة العراقية نتائج التحقيق في الهجوم، لكنها لم تذكر الجهة التي تقف خلفه.
كشفت اللجنة المكلفة بالتحقيق أن الهجوم على حقل كورمور نُفذ بطائرتين مسيّرتين انطلقتا من جنوب الحقل في مناطق شرقي طوز خورماتو. وأكد بيان للحكومة العراقية تحديد هوية المنفذين، وهم “عناصر خارجة عن القانون صادرة بحق بعضهم مذكرات قبض،” وتواصل الأجهزة الأمنية ملاحقتهم وجمع الأدلة لإدانتهم.
وأوصت اللجنة بعدة إجراءات لتعزيز حماية الحقل، منها “الإيعاز إلى وزارتي الدفاع والداخلية، وهيئة الحشد الشعبي باستبدال القيادات في هذه المناطق بقيادات كفوءة” إلى جانب تعزيز التنسيق الاستخباري بين بغداد وأربيل، وتزويد الحقل بمنظومات دفاع جوي، وتشديد الرقابة على استخدام الطائرات المسيّرة.
المعطيات التي وردت في تقرير اللجنة، وخاصة المتعلقة بالمنطقة التي انطلقت منها الطائرتان (طوزخورماتو) والطلب من الحشد الشعبي استبدال القيادات “غير الكفوءة” وكذلك ذكر جملة “خارجين عن القانون”، كلها إشارات غير مباشرة على الجهة المتورطة.
وعادة ما تستخدم الحكومة العراقية مصطلح “خارجين عن القانون” للإشارة لفصائل أو ميليشيات مرتبطة بإيران.
“هناك تقارير تشير إلى أن الصواريخ أُطلقت من شمال صلاح الدين من منطقة يسيطر عليها فصيل تابع للحشد الشعبي” يقول جويل وينغ محلل الشؤون العراقية ومؤلف مدونة “تأملات حول العراق”.
“الأكراد يريدون بعض المساءلة، لكن ذلك صعب على الحكومة المركزية لأن الفصائل المسؤولة تعتبر جزءا من الدولة والقوات الأمنية وتحظى بحماية إيران” يضيف وينغ لـ”الحرة”.
وتشكلت لجنة التحقيق الحكومية برئاسة وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، وعضوية رئيس جهاز المخابرات الوطني حميد الشطري ووزير الداخلية في إقليم كردستان ريبر أحمد، وبإسناد من التحالف الدولي الذي تقود الولايات المتحدة.
حتى ساعة نشر هذا التقرير لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن هجوم كورمور.
وبعد ساعات من وقوعه، دانت الولايات المتحدة الهجوم ودعت الحكومة العراقية إلى اتخاذ إجراءات فورية لمحاسبة مرتكبيه.
وقالت السفارة الأميركية في بغداد، في بيان، إن “الهجوم، هو الأحدث في سلسلة من المحاولات التي تقوم بها جهات خبيثة لزعزعة استقرار العراق واستهداف الاستثمارات الأميركية في إقليم كردستان العراق”.
وسارع المبعوث الأميركي الخاص للعراق، مارك سافايا، لاتهام “جماعات مسلّحة خارجة عن القانون تعمل وفق أجندات أجنبية معادية،” بالوقوف خلف الهجوم.
ودعا سافايا في تغريدة على منصة “أكس” الحكومة العراقية لـ”تحديد المسؤولين عن هذا الاعتداء وتقديمهم للعدالة”، مشدداً على أن الولايات المتحدة ستدعم هذه الجهود بشكل كامل قائلا: “سيجري تعقّب كل جماعة مسلحة غير قانونية وكل داعم لها، ومواجهتهم، ومحاسبتهم”.
من الواضح أن أهمية كورمور، الواقع بين مدينتي كركوك والسليمانية، جعلته هدفا متكررا للهجمات. منذ عام 2022، تعرض الحقل لأكثر من 11 هجوما، بطائرات مسيرة أو صواريخ. وفي أبريل 2024، أسفر هجوم بطائرة مسيرة عن مقتل أربعة عمال يمنيين وإغلاق مؤقت للحقل، وأثار الهجوم إدانات دولية. ومطلع فبراير الماضي، تعرّض الحقل لهجوم بمسيّرة، ولم يسفر عن أضرار، فيما حمّلت السلطات المحلية “ميليشيات خارجة عن القانون” المسؤولية.
لكن هجوم ليلة 26 نوفمبر كان الأكثر تدميرا، وأدى إلى إيقاف فوري للإنتاج، مما قطع تدفق الغاز عن المحطات الكهربائية الرئيسية في الإقليم.
وقد لا يكون نتاج مصادفة محضة إعلان طهران في اليوم ذاته وقف إمدادات الغاز الإيراني إلى العراق بحجة وجود أعمال صيانة في خطوط النقل. ويعتمد العراق منذ سنوات على الغاز الإيراني لتشغيل محطاته الكهربائية. وأدت الخطوة الإيرانية والهجوم على كورمور لنقص حاد في الطاقة في باقي مدن العراق.
“الخطوة الإيرانية تشرح الكثير عن المستفيد من الهجوم،” يقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني.
“للحظة تحس أن هذه الخطوة مقصودة وبشكل فاضح، على اعتبار أن استمرار تطوير هذا الحقل يعني أن العراق سيصل لمرحلة من الاكتفاء الذاتي وبالتالي يستغني تدريجيا عن الغاز الإيراني،” يضيف المشهداني لـ”الحرة”.
ويعتقد المشهداني أن الرسالة من الهجوم كانت واضحة وموجهة للداخل العراقي، ومفادها “لا تطورا الغاز هذا ليس من حقكم”.
في بغداد، دان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الهجوم، ووصفه بأنه “عدوان على كل العراق”، وأمر بتحقيق مشترك مع حكومة الإقليم.
الأمم المتحدة، وتركيا، وحتى إيران أدانت الهجوم، لكن الشكوك بقيت موجهة نحو ميليشيات متحالفة مع طهران.
“هناك كثير من التكهنات حول الرسالة التي قد يكون هذا الهجوم أراد إيصالها. أميل إلى الاعتقاد بأنه فصيل موالٍ لإيران يريد ببساطة تذكير الساحة السياسية العراقية والأميركيين بوجوده وأنه لن يتغيّر،” يقول جويل وينغ.
“تعرّض الحقل مرارا لهجمات من جماعات موالية لإيران، ولا يوجد سبب يدعو للاعتقاد بأن الأمر مختلف هذه المرة،” يضيف وينغ لـ”الحرة”.
وطالب رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني، بـ”حماية دولية فورية” للحقل، مشددا على أن “المهاجمين يستهدفون الاستقرار الاقتصادي للكرد”.
وندد سياسيون ومسؤولون في كردستان العراق بهجمات سابقة متفرقة على حقل كورمور، محملين فصائل مسلحة موالية لإيران المسؤولية عنها.
“ترغب الولايات المتحدة في تطوير أوسع لقطاع الغاز في كردستان لتزويد باقي العراق وتقليل الاعتماد على الغاز الإيراني، وربما تزويد دول الجوار. لذلك هناك مصلحة إيرانية في عرقلة مشاريع الغاز في كردستان،” يقول الباحث في مركز أبحاث سياسة الطاقة العالمي روبن ميلز لـ”الحرة”.
من الواضح، كذلك، أن هناك نية للضغط على الأحزاب الكردية خلال مرحلة تشكيل الحكومة بعد الانتخابات، ولضمان حصول الجماعات المسلحة على المناصب السياسية التي تسعى إليها، وفقا لميلز.



