تمتلك الصين بالفعل قدراً كبيراً من النفوذ والقوة في الشرق الأوسط. فلطالما كانت الشريك التجاري الأكبر لمعظم دول جامعة الدول العربية البالغ عددها 22 دولة. ومنذ عام 2013 أصبحت أكبر مشترٍ للنفط والغاز في المنطقة.
لكن هذا لا يكفي لقادة بكين. ففي الشرق الأوسط كما في غيره، توظّف الصين مجموعة واسعة من الأدوات الدبلوماسية والعسكرية لتقليص نفوذ الولايات المتحدة والديمقراطيات الأخرى. هدفها هو بناء نظام عالمي جديد أكثر خضوعاً للحزب الشيوعي الصيني (CCP).
حتى وقت قريب، كانت الصين تفتقر إلى القدرة على إسقاط قوة عسكرية حاسمة في الشرق الأوسط. لذلك تبنّت استراتيجية تعتمد بشكل كبير على الوكلاء—وفي مقدمتهم النظام الديني في إيران.
على مدى سنوات، عملت الصين بشكل منهجي على مساعدة إيران في التحايل على طيف واسع من العقوبات الغربية. متجاهلة القيود القائمة، أتقنت بكين تزويد طهران بتكنولوجيا عسكرية متطورة، مما مكّن إيران من بناء قاعدة لإنتاجها “المحلي” للدبابات، والصواريخ الباليستية، وصواريخ المدفعية، وصواريخ كروز، والصواريخ المضادة للطائرات، والطائرات المسيّرة قصيرة وبعيدة المدى.
ثم استخدمت إيران هذه الأسلحة (المدعومة إلى حد كبير من الصين) لتسليح وكلائها في حروبهم ضد إسرائيل. ويشمل ذلك نحو 4,000 صاروخ استخدمها حزب الله لضرب إسرائيل في حرب 2006، إضافة إلى الطائرات المسيّرة والصواريخ والأسلحة الصغيرة التي استخدمتها حماس لبدء حرب 7 أكتوبر 2023. كما استفادت جماعة الحوثي من نقل التكنولوجيا الصينية؛ فقد أطلق الحوثيون خلال العامين الأخيرين نحو 200 صاروخ و170 طائرة مسيرة باتجاه إسرائيل، واستخدموا أخرى لمهاجمة حوالي 100 سفينة دولية حول اليمن والبحر الأحمر.
كما استخدمت الصين “الانتشار الاستراتيجي” لكسب النفوذ. ففي عام 1988 بدأت ببيع صواريخ DF-3 الباليستية متوسطة المدى (MRBM) التي تعمل بالوقود السائل إلى السعودية. وقد سمح الامتنان السعودي لهذه القدرات لبكين بأن تجعل جيش التحرير الشعبي الصيني (PLA) دعامة رئيسية في منظومة الأمن السعودية. وقد طُبِّق هذا النموذج لاحقاً على دول أخرى مثل الإمارات وقطر.
وعملت الصين أيضاً على تمكين البرنامج النووي الإيراني. فقد قدّمت لبكين دعماً اقتصادياً مستمراً لإيران، وسعت بشكل ممنهج لإفشال أو إضعاف محاولات الغرب لفرض عقوبات على البرنامج النووي الإيراني. بل إن الصين قدمت في بعض الحالات دعماً مباشراً وغير مباشر من التكنولوجيا النووية.
ويشمل ذلك تصاميم أسلحة نووية وتكنولوجيا إعادة معالجة نووية حصلت عليها الصين عبر باكستان في الثمانينيات—كما كشفت إسرائيل عام 2018.
في مارس 2023، بدأت الصين في الدفع باستراتيجيات ذات طابع سياسي-عسكري تقوّض النظام الإقليمي بقيادة الولايات المتحدة. فقد رعت بكين تقارباً دبلوماسياً أولياً بين الخصمين اللدودين إيران والسعودية—في مفارقة واضحة، إذ كانت الصين قد أمضت سنوات في تأجيج الشكوك بينهما. الآن تعيد بكين تقديم نفسها بوصفها مصدراً جديداً لـ“الوساطة” و“التوازن”، بعيداً عن النفوذ الأميركي.
وبالنظر إلى دعم الصين لبرامج باكستان وكوريا الشمالية وإيران النووية، ليس من المستبعد أن تعرض الصين—سراً—تزويد السعودية بشكل مباشر أو غير مباشر بتكنولوجيا نووية عبر شريكها الأمني القديم، باكستان، لدفع هدفها الاستراتيجي المتمثل في إزاحة النفوذ الأميركي من المنطقة.
لكن طموحات الصين في المنطقة تلقت مؤخراً ضربة كبيرة—ربما لأن الحزب الشيوعي الصيني أساء تقدير عزيمة إسرائيل.
في أوائل 2025، تحركت إسرائيل ضد البرنامج النووي الإيراني. وخلال 12 يوماً في شهر يونيو، ضربت إسرائيل منشآت نووية إيرانية وقادة سياسيين وعسكريين. وتبعت الولايات المتحدة ذلك بضربات نفذتها قاذفات B-2 على منشآت نووية تحت الأرض.
لكن الصين سرعان ما أثبتت أن لديها أوراقاً أخرى. ففي سبتمبر، وقع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف “اتفاق الدفاع المتبادل الاستراتيجي” (SMDA). ورغم أن نص الاتفاق لا يذكر صراحة مشاركة قدرات نووية، رأى بعض المحللين أنه قد يتيح لباكستان نقل بعض تقنياتها النووية إلى السعودية.
وقال وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف في مقابلة بتاريخ 18 سبتمبر:
“دعوني أوضح نقطة واحدة بشأن القدرة النووية لباكستان: لقد تأسست تلك القدرة منذ أجرينا الاختبارات. ومنذ ذلك الحين، لدينا قوات مدربة للمعركة… ما نملكه وما لدينا من قدرات سيكون متاحاً للسعودية وفقاً لهذا الاتفاق.”
والحقيقة أن قدرات باكستان من الأسلحة النووية والصواريخ النووية جاءت بالكامل تقريباً بفضل الدعم الصيني. فقد كانت “شركة علوم وصناعات الفضاء الصينية” (CASIC) الشريك الرئيسي في مساعدة باكستان على إنتاج معظم صواريخها الباليستية وصواريخ كروز.
وقد حافظ الرئيس ترامب في الوقت الحالي على الدور الأميركي المركزي في المنظومة الأمنية السعودية من خلال إعلانه مؤخراً بيع مقاتلات F-35A المتقدمة ذات الجيل الخامس للسعودية.
ومع ذلك، سيطغى أي انتشار باكستاني لصواريخ شاهين الباليستية أو صواريخ بابور للهجوم الأرضي المزوّدة برؤوس نووية، إذا نُقلت إلى السعودية، على أي مكاسب أميركية.
ولم تضع واشنطن حتى الآن رداً فعلياً على “اتفاق الدفاع النووي السعودي-الباكستاني” الميسّر صينياً.
وعندما تفعل، سيكون من المرجح أن تبدأ بتوثيق شامل لاستخدام الصين الطويل الأمد لقوة الوكلاء وانتشار الأسلحة لإشعال الصراعات ورفع مخاطر اندلاع حرب نووية في الشرق الأوسط.
الآراء والمواقف الواردة في هذا المقال تعبّر عن رأي الكاتب فقط، ولا تعكس بالضرورة الموقف أو السياسة الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (MBN).

ريتشارد فيشر
ريتشارد د. فيشر الابن زميل أول في "المركز الدولي للتقييم والاستراتيجية"


