هل حان قطاف الإخوان؟

بدا مفاجئا لكثيرين أن يعلن الجيش الإسرائيلي، بعد قيامه بعمليات عسكرية في منطقة بيت جن الواقعة في ريف دمشق الجنوبي، عن اعتقال عناصر من الجماعة الإسلامية في لبنان، ينشطون عسكريا في تلك المنطقة.

سارعت الجماعة اللبنانية إلى نفي الخبر، مؤكدة أن “ليس لديها أيّ نشاط خارج لبنان”، رافضةً الزجّ باسمها في أيّ أعمال “ليس لها أيّة علاقة بها”.

لكن الخبر بحد ذاته بدا لافتا في توقيته بعد أيام قليلة بعد إصدار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب أمرا تنفيذيا ينص على بدء أجراءات تصنيف ثلاثة فروع من الإخوان المسلمين، في لبنان والأردن ومصر، كمنظمات إرهابية أجنبية.

وبعد الأمر التنفيذي مباشرة، تحركت فيه لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس للموافقة على تشريع لتصنيف الجماعة ككل منظمة إرهابية، وهو مشروع قانون يحتاج إلى موافقة المجلس، وقد لاقى تأييداً من الحزبين ومعارضة سجلها نائب ديمقراطي تخوف من أن مشروع القانون “شامل أكثر من اللازم” وقد يُستخدَم كذريعة للتمييز ضد المسلمين. وأشار إلى أنه قد يضر بالعلاقات مع حلفاء للولايات المتحدة يدعمون الإخوان، مثل قطر وتركيا. كما لا يبدو المشروع متوافقا مع الأمر التنفيذي للرئيس الذي لم يستهدف الإخوان كتنظيم شامل، بل يستهدف فروعاً محددة. وهنا تكمن الحكاية: لماذا اختارت واشنطن هذا النهج، وما سر التركيز على هذه الدول الثلاث المحيطة بإسرائيل؟

برز اسم “الجماعة الإسلامية” في لبنان بشكل رسمي في العام 1964 متأثرة بصعود الحركات الإسلامية في العالم العربي، وسطوع نجم الإخوان المسلمين. في العام 1982، خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان، جرى الإعلان عن جناح عسكري للجماعة تحت مسمى “قوات الفجر”، نشط في تلك الفترة، ثم تراجع نشاطه بعد خروج الجيش الإسرائيلي من لبنان في العام 2000. ومع فتح “حزب الله” جبهة إسناد غزة في الثامن من أكتوبر 2023، عاد اسم “قوات الفجر” إلى الواجهة عبر مشاركتها في هجمات ضد إسرائيل. وقام الجيش الإسرائيلي في المقابل باستهداف قيادات في الجماعة الإسلامية وقوات الفجر على تنسيق مع “حزب الله” وحركة حماس.

الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية أحمد شعراوي، يعطي مثلا عن مدى تشابك العلاقة بين الجماعة الإسلامية وحركة حماس، وتحديدا جناحها العسكري. يشير إلى أن استهداف إسرائيل للقيادي في حماس صالح العاروري في ضاحية بيروت الجنوبية، كشف أن المرافقين الذين قتلوا معه كانوا من “قوات الفجر”، وقد نعتهم “القسام” على أنهم من أفرادها. وعلى الرغم من أن العلاقة بين “حزب الله” والجماعة الإسلامية توترت بعد العام 2011 بسبب الأحداث السورية، إلا أن العلاقة تحسنت لاحقا، حتى وصلت إلى حد التنسيق الأمني.

“الحرة” استفسرت، عبر مراسلها في إسرائيل، عن خلفيات اعتقال العناصر من الجماعة الإسلامية في سوريا، فقال الجيش الإسرائيلي إن ثلاثة عناصر جرى اعتقالهم أثناء العملية العسكرية، وإن التحقيق معهم في إسرائيل “أكد علاقتهم بحماس وحزب الله”. وتحدث مسؤول إسرائيلي لـ”الحرة” عن وجود ما تصفه إسرائيل بـ “بنية تحتية إرهابية” تعمل في هذه المنطقة السورية القريبة من حدودها الشمالية. ورغم عدم تأكيد وجود تواطؤ من النظام السوري الحالي، أشار المسؤول الأمني الإسرائيلي إلى تقديرات بوجود “بيئة متساهلة أو متواطئة” في ريف دمشق الجنوبي. وهذا النشاط العابر للحدود، الذي يشمل محور القنيطرة – بيت جن – شبعا لـ “تهريب الأسلحة وربما تستخدم أيضا لتهريب الأشخاص”، يثبت أن الاستهداف ليس لبنانيا خالصا، بل يهدف إلى تفكيك “شبكة لوجستية معادية”، بحسب وصف المسؤول الإسرائيلي.

هذا الارتباط الوثيق بين الجماعة الإسلامية وحماس وحزب الله، خصوصا بعد السابع من أكتوبر، هو ما يجعل تصنيفهم “أسهل” قانونيا، ويجعل الرئيس ترامب يسمي لبنان بالاسم في أمره التنفيذي، كما يشرح شعراوي. إذ “لطالما واجهت الولايات المتحدة صعوبة في تصنيف جماعة الإخوان المسلمين ككيان إرهابي واحد”. الإخوان ليسوا “كياناً واحداً” يمتلك قيادة مركزية، يتابع شعراوي، بل هم “كيانات منفصلة” تتبع لـ “أيديولوجية واحدة”. و”كل فرع يتصرف ضمن بيئته السياسية الخاصة”. هذا الواقع التنظيمي المعقد أفشل محاولات سابقة من قبل الكونغرس لتصنيف الجماعة ككل ككيان إرهابي.

لذلك، تحول صانعو القرار نحو نهج أكثر عملية، يركز على “استهداف الخطر فرعاً بفرع”. وقد لخّص صموئيل تادرس، الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، هذا الاختيار بالقول “إن الوصول إلى الإخوان المسلمين في مصر ولبنان والأردن يعتبر “ثمارا دانية يسهل قطفها”. وبحسب تادرس المعيار القانوني الذي يقدمه الأمر التنفيذي: استهداف الفروع التي يمكن إثبات تورطها المباشر في أعمال عنف أو تقديمها دعماً مادياً لجماعات مصنفة أصلاً كإرهابية. يعطي تادرس أمثلة على ذلك: في مصر إثبات علاقة تنظيم إرهابي مثل حركة “حسم” بالإخوان المسلمين كاف لتصنيفها إرهابية. في الأردن ولبنان الارتباط بحركة حماس وحزب الله واضح وميداني، سواء عبر التمويل أو الدعم العملياتي على الأرض.

لهذا يعتقد تادرس أن الأمر التنفيذي يضع خريطة طريق عملياتية تركّز على تفكيك شبكات الدعم والتمويل، لا محاربة الأيديولوجيا الإخوانية بحد ذاتها، اذ لا ضير من وجودها ككيان سياسي، من دون نشاط أمني وإرهابي.

في الحالة الأردنية أيضا، شهد نشاط الإخوان المسلمين تحولات بعد السابع من أكتوبر. وبحسب شعراوي، فإن جماعة الإخوان في الأردن كانت تعرف دائما أنها “المعارضة الموالية”، أي أنها تمارس النقد السياسي لكنها لا تميل إلى العنف ولا تتجاوز الخطوط الحمراء تجاه الملك. لكن يبدو أن هذه الصورة تغيرت جذرياً في السنتين الأخيرتين. فبعد السابع من أكتوبر، ارتفعت حدة المظاهر التي تدعو إلى العنف في الشوارع الأردنية. والأخطر من ذلك، تم رصد “أعمال عنف”، ومخططات لـ “تصنيع المسيرات والصواريخ”، وتسلل عناصر منهم على الحدود مع إسرائيل، بحسب شعراوي.

والأهم، بحسب شعراوي، هو نفوذ حماس داخل الجماعات المرتبطة بالإخوان في الأردن، ويرى شعراوي أن حماس تلعب “دوراً كبيراً في القرارات اللي تتخذ داخل الجماعة”. بل ويشير إلى تقارير تفيد بأن نفوذ حماس كان قوياً لدرجة أن “مجلس الشورى التابع للإخوان المسلمين صار أشبه بمنظومة تابعة لحماس”.

يبقى السؤال الذي طرحه كثيرون: لماذا استبعدت واشنطن تركيا وقطر، وهما الداعمان الرئيسيان للإخوان المسلمين، من الأمر التنفيذي؟ ولماذا لم يدرج القرار التنفيذي سوريا، رغم وجود بيئة واسعة للإخوان المسلمين فيها؟

يرى الخبراء الذين تحدثت إليهم “الحرة” أن هذا ليس إهمالاً، بل قرار استراتيجي براغماتي، يحافظ على مصالح واشنطن ويضيق الخناق على تمويل الإرهاب. رغبة إدارة ترامب في تشجيع سوريا والشرع، “جعل الأمر التنفيذي يستثني سوريا”، كما يشرح صموئيل تادرس، الذي لا يرى أي غرابة في ذلك: “إدارة ترامب مليئة بالتناقضات وهذا طبيعي وهناك اجندات مختلفة”.

تاريخيا كان الإخوان المسلمون قوة وازنة في سوريا لكنهم تعرضوا للتهميش والاقصاء والحظر من نظام حافظ الأسد بعد أحداث مدينة حماة في الثمانينيات. يشير شعراوي أن الإخوان حاولوا “الرجوع على الساحة في سوريا بعد سقوط الأسد”، لكن يبدو أن الرئيس أحمد الشرع يقود جهودا لقطع الطريق عليهم ومنع عودتهم إلى المشهد العام. ويعتقد شعراوي أن الشرع يرى الإخوان المسلمين كـ “معارضة سياسية” محتملة، ويخشى أن يشكلوا خطرا على هيمنته، لأنهم يظلون “أكثر مجموعة منظمة” من ناحية الإسلام السياسي في سوريا. ونتيجة لذلك، ما زال تصنيف الإخوان في سوريا كمجموعة محظورة قائماً، وقد رُفض طلبهم بفتح مكاتب لهم.

أما فيما يخص قطر وتركيا، يوضح شعراوي أن هذا الأمر التنفيذي هو “الخطوة الأولى” فقط. وأن الاستراتيجية المعتمدة من واشنطن هي “التصنيف التدريجي”، يبدأ بالأفرع “الأقرب للعنف”. الفكرة هي تجميد أصول هذه الفروع، ثم في حال تبين أن “كيانات موجودة بقطر أو تركيا” تقدم لها أي مساعدة مالية أو لوجستية، فسيتم تصنيف تلك الكيانات لاحقا.

بهذه الطريقة، بحسب المحللين، تحقق واشنطن توازنا دقيقا: ترضي حلفاءها الإقليميين (مثل الإمارات والسعودية ومصر) الذين يدفعون نحو تصنيف الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، وفي الوقت نفسه تبقي الباب مفتوحاً أمام معاقبة الكيانات التي تدعم الإخوان في تركيا وقطر دون تصنيف الدولتين مباشرة.

رامي الأمين

كاتب وصحافي لبناني يعيش في الولايات المتحدة الأميركية. حائز درجة ماجستير في العلاقات الإسلامية والمسيحية من كلية العلوم الدينية في جامعة القديس يوسف في بيروت. صدر له ديوان شعري بعنوان "أنا شاعر كبير" (دار النهضة العربية - 2007)، وكتيب سياسيّ بعنوان "يا علي لم نعد أهل الجنوب" (خطط لبنانية - 2008)، وكتاب عن مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان "معشر الفسابكة" (دار الجديد - 2012) وكتاب بعنوان "الباكيتان- سيرة تمثال" (دار النهضة العربية- ٢٠٢٤)


اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك لتصلك أحدث التقارير من الحرة

* حقل الزامي

اترك رد

https://i0.wp.com/alhurra.com/wp-content/uploads/2025/08/footer_logo-1.png?fit=203%2C53&ssl=1

تابعنا

© MBN 2025

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading