نزع سلاح حزب الله.. لبنان أمام اختبار المرحلة الثانية

على وقع بدء العدّ العكسي لانتهاء العام، يدخل لبنان مرحلة دقيقة يتقدّم فيها ملف حصر السلاح بيد الدولة شمالي نهر الليطاني إلى واجهة المشهدين السياسي والأمني، ليبقى سلاح حزب الله في صدارة النقاش بوصفه الاختبار الأبرز لقدرة الدولة على فرض سيادتها.

وفي هذا الإطار، أكد رئيس الحكومة نواف سلام خلال استقباله رئيس الوفد اللبناني في لجنة “متابعة اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل” (الميكانيزم) السفير السابق سيمون كرم، في 20 ديسمبر، أن المرحلة الأولى من خطة حصر السلاح جنوب نهر الليطاني باتت على بُعد أيام من الانتهاء، وأن الدولة جاهزة للانتقال إلى المرحلة الثانية شمالي النهر، استناداً إلى الخطة التي أعدّها الجيش اللبناني بناءً على تكليف الحكومة.

لكن هذا الإعلان أثار تساؤلات حول مدى ما تحقق فعلياً على الأرض. هل جرى نزع كامل سلاح حزب الله جنوبي الليطاني؟ وهل يمكن للدولة إنجاز المرحلة الثانية في منطقة يصر الحزب على استثنائها؟

إنجاز شكلي أم فعلي؟

خلال اجتماع استثنائي حضره كبار الضباط، أمس، أكد قائد الجيش اللبناني، العماد رودولف هيكل، ما أعلنه رئيس الحكومة، مشيراً إلى أن “الجيش بصدد الانتهاء من المرحلة الأولى من خطته”.

لكن إسرائيل تتهم حزب الله بالعمل على إعادة تسليح نفسه وتهريب الأسلحة من سوريا. وفي نوفمبر الماضي، أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي نداف شوشاني ذلك، مشيراً في حديث لوكالة “رويترز” إلى أن الجيش الإسرائيلي يعمل على إغلاق الطرق البرية بنجاح، لكن الحزب لا يزال يشكل تهديداً.

ويشير تقرير لمركز ألما الإسرائيلي إلى محاولات أسبوعية لتهريب أسلحة خفيفة ومتوسطة، تشمل “مئات صواريخ الكورنيت وصواريخ غراد”، لافتاً إلى أن بعض الشحنات تنجح بالوصول إلى الأراضي اللبنانية.

وفي هذا الإطار، يرى المحلل السياسي والمحامي أمين بشير أن ما تحقق حتى الآن جنوبي الليطاني لا يرقى إلى الحصر الكامل للسلاح، بل يمثل “ضبطاً ميدانيّاً نسبياً، مع تعزيز الجيش حضوره وانتشاره في نقاط باتت أكثر استقراراً أمنياً”، ويشير بشير، في حديث لموقع “الحرة”، إلى أن “حزب الله خفّض من انتشاره العلني وقلّص وجود أسلحته الثقيلة وبناه التحتية العسكرية في المنطقة، إلا أن هذه الخطوات أقرب إلى تنفيذ شكلي للقرار منها إلى تطبيق كامل”.

ويحذر بشير من أن أيّ ضربة إسرائيلية تستهدف مخزناً أو بنية عسكرية جنوب الليطاني بعد الإعلان الرسمي عن انتهاء المرحلة الأولى “ستضع الدولة والجيش والحزب في موقف بالغ الإحراج، وتسقط الإدعاء بأن المنطقة باتت خالية من السلاح”.

من جهته، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي يوسف دياب أن الجيش أنجز عملياً نزع السلاح جنوبي النهر ضمن الإحداثيات المتوفرة للجنة “الميكانيزم”، مع احتمال وجود مخازن غير معلنة أو غير معروفة حتى لإسرائيل. ويشير دياب لموقع “الحرة” إلى أن “أيّ اكتشاف لاحق سيتم تفكيكه تحت سيطرة الجيش وقوات “يونيفيل”، ما يلغي مبرر أيّ عمل عسكري محتمل”.

أما الخبير الاستراتيجي، العميد المتقاعد جورج نادر، فيرى أنه “من المبكر الجزم بنتائج المرحلة الأولى قبل صدور التقرير الرسمي للجيش اللبناني وتقييمه الشامل لما أُنجز”، موضحاً في حديث لموقع “الحرة” أن “جزءاً كبيراً من البنية العسكرية للحزب سرّي وقد لا يكون مكشوفاً استخبارياً”.

ومن المتوقع أن يعرض هيكل، في بداية العام الجديد، تقريراً مفصلاً أمام مجلس الوزراء حول نتائج المرحلة الأولى من خطة حصر سلاح الحزب.

اختبار حاسم

على مشارف إعلان لبنان الانتهاء من المرحلة الأولى لنزع سلاح الحزب جنوب نهر الليطاني، تتجه الأنظار الآن إلى شمالي النهر، حيث سيختبر فعلياً قرار الدولة وقدرتها على استكمال خطة حصر السلاح. وتشمل المرحلة الثانية المنطقة الممتدة بين نهري الليطاني والأولي.

وأكد قائد الجيش اللبناني، أن الجيش “يجري التقييم والدراسة والتخطيط بدقة وتأنّ للمراحل اللاحقة، مع أخذ مختلف المعطيات والظروف في الحسبان”.

في المقابل، شدد الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، مراراً على أن الحزب “لن يسلّم سلاحه” شمالي الليطاني، معتبراً أن “اتفاق وقف إطلاق النار” يحصر مسألة جمع السلاح بمنطقة جنوبي الليطاني فقط.

ويؤكد مسؤولون في الحزب أن أيّ بحث في هذا الملف يرتبط بوقف الاستهدافات الإسرائيلية، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، وإعادة الموقوفين اللبنانيين.

كلام قاسم دفع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع إلى الرد، معتبراً أنه يناقض تماماً ما ينصّ عليه “اتفاق وقف إطلاق النار”، وأشار جعجع في بيان إلى أن الاتفاق ينص على تطبيق القرار 1701 الذي يدعو إلى التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن الدولي السابقة، وبالتالي ينص على نزع سلاح جميع التنظيمات المسلّحة في كلّ لبنان، وحصر السلاح بالقوى الشرعية، ومنع إدخال أو تصنيع الأسلحة غير المرخّصة، إضافة إلى تفكيك المنشآت العسكرية غير الشرعية بدءاً من جنوبي الليطاني لا حصراً به.

ويرى بشير أن إصرار الحزب على التمييز بين جنوبي وشمالي الليطاني “يشكّل مناورة في تفسير القرار 1701”.

ومن جهته، يؤكد نادر أن “الحكومة تتجه إلى استكمال الخطة، وأن أيّ تكليف رسمي سيترجم بخطة تنفيذية شمالي الليطاني”، مشيراً إلى أن القرار 1701 لا يحصر تفكيك السلاح جغرافياً بجنوبي النهر فقط.

وينظر عدد من القوى والأحزاب اللبنانية إلى المرحلة المقبلة في عملية نزع سلاح حزب الله على أنها اختبار، ليس للحزب فقط، بل لمدى جدّية الدولة في بسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية.

دعم دولي وانتقادات

تواكب لجنة “الميكانيزم” خطوات الجيش اللبناني خلال إنجاز مهمته، وقد عقدت اللجنة اجتماعها الخامس عشر في الناقورة في 19 ديسمبر. ووفق بيان السفارة الأميركية في لبنان، أجمع المشاركون العسكريون على أن “تعزيز قدرات الجيش اللبناني، الضامن للأمن في قطاع جنوب الليطاني، أمر أساسي للنجاح”، فيما أكد المشاركون المدنيون أن “التقدّم السياسيّ والاقتصاديّ المستدام ضروري لتعزيز المكاسب الأمنية وترسيخ سلام دائم”.

وفي سياق متصل، اعتبر السفير الأميركي لدى اسرائيل مايك هاكابي أن على الجيش اللبناني أن يكون أقوى على الرغم من أنه يحاول. وقال في مقابلة مع “INSS” الإسرائيلية علينا مساعدة الجيش واعطائه الفرصة”، مشيراً إلى أنه كلما زادت قوة الجيش اللبناني انخفض منسوب التهديد الاسرائيلي.

وفي إطار الدعم الدولي، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أنه تم الاتفاق مع الولايات المتحدة والسعودية ولبنان على تنظيم مؤتمر دولي لدعم الجيش اللبناني في فبراير المقبل، بعد محادثات في باريس شارك فيها هيكل ومسؤولون من الدول الثلاث.

إلا أن هذه الأجواء ترافقت مع تطور خطير، تمثّل في اتهام الجيش الإسرائيلي للجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله. فبعد غارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة صيدا جنوب لبنان ،الاثنين الماضي، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي القضاء على ثلاثة عناصر من الحزب، مؤكداً أن أحدهم كان يخدم في وحدة الاستخبارات التابعة للجيش اللبناني، ومضيفاً إن إسرائيل تنظر “ببالغ الخطورة” إلى ما وصفه بعلاقات التعاون بين الطرفين.

في المقابل، نفت قيادة الجيش اللبناني هذه المعلومات نفياً قاطعاً، مؤكدة أن هذه الأخبار تهدف إلى التشكيك بعقيدة الجيش وأداء عناصره، وشددت على أن “انتماء العسكريين ثابت وراسخ للمؤسسة العسكرية وللوطن”.

هل الجيش مستعد؟

حول جاهزية الجيش اللبناني للمرحلة التالية، يميز دياب بين “الغطاء السياسي والجهوزية الميدانية”، مشيراً إلى أن الغطاء السياسي متوافر عبر حكومة منبثقة عن مجلس نيابي منتخب وتمثّل إرادة شعبية، لكنه يشكك في امتلاك الجيش جهوزية عسكرية تمكنه من فرض السيطرة شمالي الليطاني، ولا سيما في المنطقة الممتدة بين نهري الليطاني والأولي، إلا في حال تعاون حزب الله مع هذه الخطوة.

وفي هذا الإطار، أكد رئيس الحكومة اللبنانية “ضرورة توفير كل الدعم اللازم للجيش اللبناني، لتمكينه من القيام بكامل مسؤولياته الوطنية”.

ويقول بشير إن “الجيش أثبت قدرته على الانتشار جنوب الليطاني”، مؤكداً أن أيّ حديث عن خلاف ذلك “يستخدم لتبرير تأخير نزع السلاح غير الشرعي”، ويضيف إن “نزع سلاح حزب الله بالقوة ليس مطروحاً، بل المطلوب هو التسليم الطوعي في إطار قرار حكومي، للحفاظ على الاستقرار الداخلي وتجنب أيّ مواجهة محتملة مع إسرائيل”.

كذلك يؤكد نادر أن “الجيش يمتلك القدرة على تنفيذ خطته، “إلا أن الإشكالية الأساسية تكمن في مدى توافر الغطاء السياسي الكامل”.

وخلال اجتماع لجنة “الميكانيزم” الـ 12، أشاد رئيسها، جوزيف كليرفيلد، بـ”احترافية الجيش اللبناني والتزامه وانضباطه”، معتبراً أن أداءه يمثل عنصراً جوهرياً في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.

بين الفرصة والهاوية

تترافق التطورات في ملف حصر سلاح حزب الله مع تصعيد في الخطاب الإسرائيلي، إذ حذّر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زمير، يوم الأحد، من أن الجيش سيضرب أعداء إسرائيل “أينما اقتضت الضرورة، على الجبهات القريبة والبعيدة على حد سواء”. وفي موازاة ذلك، صرح عضو مجلس الشيوخ الأميركي ليندسي غراهام قائلاً: “إذا رفض حزب الله التخلي عن سلاحه الثقيل، سيكون علينا الانخراط في عمليات عسكرية بالتعاون مع لبنان وإسرائيل والولايات المتحدة”.

وفي لبنان، أثار رئيس “لقاء سيدة الجبل” النائب السابق فارس سعيد تساؤلات عبر منصة “إكس” حول جدول نزع سلاح الحزب، متسائلاً: “بعد انسحاب حزب الله المتفق عليه إلى شمالي الليطاني، والذي استغرق حوالي سنة بعد قرار وقف إطلاق النار، كم يلزمه من الوقت للانسحاب إلى شمالي الأولي، وكم يلزمه حتى ننتهي من سلاحه على مساحة لبنان وفقاً للطائف؟”.

ويتساءل معارضو الحزب عن الحاجة إلى الاحتفاظ بالسلاح شمالي الليطاني، إذا ما أزيل من جنوبه ولم يعد يشكّل تهديداً لإسرائيل، معتبرين أن وظيفته حينها ستقتصر على فرض ميزان قوة داخلي لصالح الحزب.

ويؤكّد دياب أن رفض الحزب تسليم سلاحه “يشكّل تحدّياً مباشراً للدولة والمجتمع الدولي، ويدخل لبنان في مرحلة شديدة الخطورة، أقلها مواجهة عسكرية إسرائيلية، وأخطرها احتمال اندلاع صدام بين الحزب والجيش”.

وبينما يشدّد بشير على خطورة الاكتفاء بإدارة الأزمة بدل الوصول إلى حل نهائي، يحذّر نادر من أن تردّد الدولة في سحب سلاح الحزب سيدفع إسرائيل إلى تنفيذ المهمة بنفسها، وصولاً إلى فرض منطقة عازلة في الجنوب، مشيراً إلى أن الضغط الأميركي “ما زال يحدّ حتى الآن من استهداف البنية التحتية اللبنانية”.

ويخلص نادر إلى أن “الأيام المقبلة ستكون حاسمة”، بين تقرير الجيش اللبناني، وقرار الحكومة، والتطورات الإقليمية، لا سيما اللقاء المرتقب بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 26 ديسمبر، وما قد يحمله من انعكاسات مباشرة على لبنان.


اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك لتصلك أحدث التقارير من الحرة

* حقل الزامي

اترك رد

https://i0.wp.com/alhurra.com/wp-content/uploads/2025/08/footer_logo-1.png?fit=203%2C53&ssl=1

تابعنا

© MBN 2025

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading