لم يكن إعلان وزارة الدفاع الإسرائيلية عن تسليم منظومة «أور إيتان» مجرد بيان تقني اعتيادي. اللغة التي صيغ بها، وتوقيت الإعلان، والمراسم التي رافقته، جميعها أوحت بأن المؤسسة الأمنية ترى في هذه اللحظة أكثر من إدخال سلاح جديد إلى الخدمة، إنها بداية مرحلة مختلفة، لكن هل هي كذلك؟
في منشآت شركة رفائيل، حيث أُقيمت المراسم الرسمية، اجتمع وزير الدفاع وكبار قادة الجيش والصناعة الأمنية. المشهد حمل طابعا احتفاليا واضحا، لكنه كان في جوهره إعلانا عن اكتمال مسار معقّد. فوفق البيان الذي تلقّت قناة الحرة نسخة منه، خضعت المنظومة لسلسلة طويلة من عمليات التطوير والاختبار، وجرى فحصها في سيناريوهات متعددة قبل اتخاذ قرار تسليمها إلى الجيش الإسرائيلي.
الوزارة تؤكد أن «أور إيتان» أثبتت فاعليتها في اعتراض تهديدات متنوعة، شملت صواريخ قصيرة المدى، وقذائف هاون، وطائرات مسيّرة. ومع دخولها الخدمة، تُدمج المنظومة داخل سلاح الجو، لا كبديل للأنظمة القائمة، بل كطبقة إضافية في منظومة الدفاع الجوي متعددة المستويات، ما يعكس فلسفة تشغيلية: توزيع الأدوار بين الطبقات المختلفة بدل الاعتماد على حل واحد.
في توصيفها للمنظومة، تركز وزارة الدفاع على كونها اختراقا تكنولوجيا وهندسيا، يعتمد على مصدر ليزر متقدم وموجّه إلكتروني–بصري عالي الدقة. هذا الدمج، كما يرد في البيان، يتيح اعتراض أهداف مختلفة بفعالية كبيرة وبدقة عالية. غير أن البعد الذي يتكرر في التصريحات الرسمية هو البعد الاقتصادي. فالميزة المركزية، بحسب الوزارة، تكمن في الكلفة الهامشية المنخفضة جدًا لكل عملية اعتراض، وهي نقطة تُقدَّم كعنصر مفصلي في مواجهة تهديدات تعتمد على الإكثار لا النوعية.
في كلمته خلال الحفل، اختار وزير الدفاع يسرائيل كاتس أن يوسّع دلالة الحدث. وصف تسليم المنظومة بأنه «مقام تاريخي»، معتبرا أن هذه هي المرة الأولى التي تصل فيها منظومة اعتراض ليزرية عالية القدرة إلى نضج عملياتي، بعد تنفيذ اعتراضات ناجحة في تجارب تحاكي سيناريوهات قتالية مختلفة.
“هناك أحداثٌ يعكس وصفُها بأنها محطة تاريخية بدقة المعنى الحقيقي لها. في هذه اللحظة المهمة، يمكننا جميعا أن نشعر بفخرٍ كبير بالسابقة التي تُسجَّل هنا اليوم — فهذه هي المرة الأولى في العالم التي تبلغ فيها منظومة اعتراض ليزرية عالية القدرة نضجًا عملياتيًا” حسب كاتس مضيفا ان “إنها رسالة يتردّد صداها حتى طهران وصنعاء وبيروت”.
غير أن هذه الصورة لا تكتمل من دون الصوت القادم من داخل الخبرة الميدانية. ففي مقابلة خاصة مع قناة الحرة، يقدّم بريجادير جنرال احتياط ران كوخاف، القائد السابق لمنظومات الدفاع الجوي، قراءة مختلفة في نبرتها، وإن لم تكن متناقضة في جوهرها. كوخاف يعترف بأهمية إدخال «أور إيتان» إلى الخدمة، لكنه يحرص على وضعها في إطارها العملي. “تكنولوجيا الليزر هي خطوة المستقبل وهي حل رخيص لمشكلة باهظة الثمن باعتبار انها تركز قدرة كهربائية لتكون شعاعا ضوئيا، بواسطة انظمة بصرية والتي يمكن ان تؤدي الى احترار جناح الطائرة المسيرة أو أي جسم آخر خلال ثوان معدودة وهذا يؤدي إلى اعتراض الهدف قبل أن تخترق الحدود وتهدد أمننا”.
من وجهة نظره، القيمة الأساسية للمنظومة تكمن في كونها أداة إضافية، تُخفف العبء عن منظومات الاعتراض الصاروخي التقليدية، خاصة في سيناريوهات الإغراق التي تعتمد على إطلاق أعداد كبيرة من القذائف أو الطائرات المسيّرة منخفضة الكلفة.
في هذا المعنى، يرى كوخاف أن الليزر لا يُلغِي الصاروخ، بل يعيد ترتيب الأولويات. استخدام «أور إيتان» في ظروف معينة يسمح بالحفاظ على مخزون الصواريخ الاعتراضية للحالات الأكثر تعقيدًا أو حساسية، ويمنح القيادة العسكرية مرونة أكبر في إدارة المعركة الدفاعية.
في المقابل، لا يُخفي كوخاف تحفظاته. فهو يحذّر من المبالغة في تصوير المنظومة كحل شامل، ويشير إلى أن لها قيودها، وأن فعاليتها تتأثر بعوامل بيئية، وأنها لا تعمل بمعزل عن باقي الطبقات. “لمنظومة الليز يوجد مشكلة من خلال استخدام الطاقة والآن يمكن القيام بذلك لمستويات قصيرة، وكذلك هناك مشكلة باستخدامها في أجواء طقس ماطرة وغيوم وغبار وكذلك هناك تعقيدات من ناحية الأمان حيث أن تركيز طاقة في شعاع ضوئي هذا يشكل تحديا في الأمن والأمان.. والليزر غم أنها رخيصة لكن لا يمكن استخدامها في آن واحد مع عدة أهداف، لأنها بحاجة إلى رفع حرارة الهدف ومن ثم اعتراضه ومن ثم الانتقال إلى الهدف الذي يليه”.
من هنا، يؤكد أن قوة «أور إيتان» الحقيقية تظهر فقط عندما تكون جزءًا من منظومة متكاملة، حيث يُستخدم كل نظام وفق ميزاته وحدوده، لا أكثر ولا أقل.
هذا التوازن بين الطموح والواقعية ينعكس أيضًا في تصريحات مسؤولي وزارة الدفاع. فالحديث عن الانتقال إلى الإنتاج المتسلسل، والعمل على أجيال لاحقة من منظومات الدفاع برًا وجوًا، لا يُقدَّم بوصفه نهاية المسار، بل بدايته العملية. «أور إيتان» تُعرض كحلقة أولى في سلسلة تطوير مستمرة، تهدف إلى تعزيز القدرة على مواجهة تهديدات متغيّرة ومعقّدة.



