يكشف إعلان طهران تشكيل “المجلس الأعلى للدفاع الوطني” تدشين مرحلة جديدة في السياسة الدفاعية الإيرانية.
سيكون المجلس أعلى هيئة في البلاد، معنية بوضع الخطط الدفاعية وتعزيز قدرات القوات المسلحة الإيرانية.
تقول صنم وكيل، رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد “تشاتام هاوس” لـ”الحرة” إن المجلس “رغم أنه لا يعمل كمؤسسة جديدة لصياغة السياسة الخارجية أو كمنصة للنفوذ المعتدل، سيُسهم في تعزيز السيطرة المركزية تحت إشراف المرشد الأعلى (علي خامنئي) من خلال تبسيط عملية اتخاذ القرار العسكري وتعزيز التماسك الداخلي”.
تشكيل المجلس يأتي في أعقاب حرب خاطفة اندلعت بين إسرائيل إيران في يونيو، وأسفرت عن مقتل قيادات عسكرية إيرانية رفيعة، وتدمير منشآت نووية إيرانية استراتيجية.
ويبدو أن حرب الأيام الـ12 بين إيران وإسرائيل دفعت القيادة الإيرانية إلى إدراك ضرورة وجود هيكل قيادي أكثر مرونة وفعالية في مواجهة أي صراع محتمل في المستقبل القريب مع إسرائيل.
يثير توقيت تشكيل “المجلس” تساؤلات حول ما إذا كان جزءا من خطط تمهد لمواجهة كبرى وشيكة بين إيران وإسرائيل؟
في ثمانينيات القرن الماضي، لجأت طهران إلى تشكيل مجلس مشابه لإدارة جبهات القتال في حرب الثماني السنوات مع العراق.
اليوم، وبعد أكثر من أربعة عقود، تعيد الجمهورية الإسلامية تفعيل نفس الآلية، ولكن في أجواء أكثر تعقيدا، إذ تتقاطع التهديدات الخارجية مع التحديات الداخلية، وسط توقعات بارتفاع حدة التوتر مع إسرائيل والولايات المتحدة.
الهيكل والصلاحيات
وفقا لما نقلته وكالة “إرنا” الرسمية، فإن رئاسة المجلس أنيطت بالرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، الذي يُنظر إليه كشخصية إصلاحية ذات علاقات متوازنة مع المؤسسة العسكرية والدينية على حد سواء.
ورغم أن المجلس الأعلى للأمن القومي لم ينشر قائمة رسمية بأعضاء المجلس الجديد، فإن تقارير وسائل إعلام إيرانية تفيد بأن التشكيلة تشمل رؤساء السلطات الثلاث وقادة عسكريين بارزين، ووزراء معنيين بالشؤون الدفاعية.
وبحسب هذه التقارير، فإن الأعضاء هم: الرئيس ورئيس مجلس الشورى (البرلمان) ورئيس السلطة القضائية.
ويضم المجلس ممثلَين يُعينهما خامنئي مباشرة، بالإضافة لوزير الاستخبارات ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة.
ويمثل القيادة العسكرية في المجلس قادة الحرس الثوري والجيش الإيراني كذلك. وأشارت التقارير إلى أن قائد مقر “خاتم الأنبياء” المركزي التابع للحرس الثوري الإيراني هو أيضا عضو في المجلس، وفقا لصحيفة “طهران تايمز”.
يُعد مجلس الدفاع مجلسا فرعيا متخصصا أنشأه المجلس الأعلى للأمن القومي، الذي يستخدم صلاحياته الدستورية بموجب المادة 176 لتشكيل هيئات فرعية مثل مجلس الدفاع والمجلس الوطني للأمن، وفقا لوسائل إعلام إيرانية.
وبينما يحتفظ المجلس الأعلى للأمن القومي بالمسؤولية عن القضايا العامة للأمن الوطني والسياسات والاستراتيجيات، فإن مجلس الدفاع سيركّز على الشؤون العسكرية وقيادة العمليات في زمن الحرب تحديدا.
حرب محتملة
السؤال الذي يشغل كثيرين داخل إيران وخارجها هو: هل يُمهّد تشكيل هذا المجلس لحرب وشيكة مع إسرائيل؟ أم أنه محاولة لردعها؟
يقول الباحث في الشأن الإيراني حسن راضي لـ”الحرة” إن إيران تريد إرسال “رسالة لإسرائيل بالدرجة الأولى وإلى الولايات المتحدة والرأي العام الغربي بدرجة أقل، مضونها أن طهران مستعدة للحرب”.
“الآن النظام يعتبر نفسه في حالة حرب من جديد، لذلك أحيا هذه المؤسسة ويتهيأ عسكريا وأمنيا وعلى كل الأصعدة” يضيف راضي.
تزامن تشكيل المجلس مع تصريحات، قال فيها القائد العام للجيش الإيراني، أمير حاتمي، إن طهران لا تعتبر تهديد “العدو” قد زال أو انتهى، وفق وسائل إعلام إيرانية.
وقال حاتمي، الأحد، خلال اجتماع مع كبار قادة ومسؤولي القوات البرية للجيش الإيراني، إن تصريحات المرشد علي خامنئي التي أكد فيها “أن علينا اعتبار واحد في المئة من التهديد بمثابة تهديد كامل”، تعكس ضرورة عدم الاستهانة بالعدو أو اعتباره خارج دائرة الخطر.
تقول صنم وكيل إن “مهمة المجلس الأعلى للدفاع الوطني الرئيسية تتمثل في تنسيق وتوحيد التخطيط الدفاعي، وذلك ردا على التهديدات المتزايدة التي أعقبت الضربات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة وإسرائيل في يونيو 2025”.
حالة حرب
بشكل عام، يمكن القول إن احتمالات تجدد الحرب بين إيران وإسرائيل تظل مرتفعة، لكن طبيعتها ومداها يعتمدان على العديد من العوامل.
يعتبر البرنامج النووي الإيراني التهديد الرئيسي لإسرائيل.
يمكن أن يكون أي تقدم في برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني “الخط الأحمر” الذي سيدفع إسرائيل لشن هجوم واسع النطاق على إيران.
يقول الباحث الدبلوماسي في معهد الشرق الأوسط آلان آير لـ”الحرة” إن “إيران لا تزال تعتبر نفسها في حالة حرب”.
“إذا قرأت وسائل الإعلام الإيرانية وتعليقات المسؤولين، فستجد أنهم يرون هذا الوضع كوقف مؤقت لإطلاق النار، ويفترضون أن الأعمال العدائية ستُستأنف”.
ويشير آير، وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية لشؤون إيران، إلى أن”إسرائيل قالت أيضا إنه إذا لاحظت مؤشرات على أن إيران تحاول إعادة بناء قدراتها الدفاعية الجوية أو إنتاج الصواريخ أو برنامجها النووي، فإنها ستعود إلى شن ضربات”.
على الجانب الآخر، تحاول الولايات المتحدة تجنب الانجرار إلى حرب شاملة ومباشرة مع إيران، ولكنها في نفس الوقت لا تستبعد استخدام القوة العسكرية لحماية مصالحها وحلفائها في المنطقة.
في يونيو الماضي وجهت واشنطن ضربات لثلاث منشآت نووية إيرانية رئيسية، هي فوردو ونطنز وأصفهان.
ردت إيران على هذه الهجمات بشن ضربات صاروخية على قاعدة العديد الجوية في قطر، وهي أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط.
يقول آلان آير إن “الولايات المتحدة قالت إنها لا تعارض استئناف إسرائيل العمل العسكري، ولا تعارض القيام بذلك بنفسها إذا لزم الأمر. لذا، على الرغم من عدم وجود عمل عسكري حاليًا، فإن افتراضي الشخصي هو أن وقف إطلاق النار هش”.
قائد شكلي وآخر فعلي
يجري تداول اسم علي لاريجاني مستشار خامنئي لتولي منصب رئيس “المجلس الأعلى للأمن القومي” في إيران، وفقا لما أوردته وكالة “فارس” للأنباء، التابعة للحرس الثوري الإيراني، الجمعة.
ونظرا لإن “المجلس الأعلى للدفاع الوطني” هو هيئة فرعية تابعة للمجلس الأعلى للأمن القومي، فسيكون قائده الفعلي لاريجاني وليس بزشكيان، وفقا لراضي.
ويستبعد راضي أن يكون الرئيس الإيراني على رأس المجلس، “وحتى وإن وضعه خامنئي فستكون مسؤولياته شكلية”.



