التعليم الديني.. تجهيل وتجميل وشيطنة!

الحرة's avatar الحرة2025-08-05

العقل العربي المسلم محاصر بالتجهيل، وهو تجهيل متعمد، يقول الباحث والإعلامي إبراهيم عيسى، والمفارقة أن الذي يقترف هذا “التجهيل” هي أجهزة “التعليم” الديني.  

يتهم عيسى المؤسسات الدينية الرسمية في العالم العربي بأنها تغرس في مناهجها بذور الكراهية وشيطنة المخالف، والنتيجة هي الصمت تجاه المذابح التي تُرتكب باسم الدين، وآخرها في الساحل السوري ضد العلويين وفي السويداء ضد الدروز. 

فهل تحوّل التعليم الديني من مصدر للمعرفة إلى أداة للتكفير؟  

وهل باتتشيطنة كل مختلفهي العقيدة الحاكمة لوعينا، لتُمهّد الطريق لكل مجزرة ومذبحة؟  

إبراهيم عيسى فتح ملف التعليم الديني الرسمي في برنامجه الأسبوعي الذي يعده ويقدمه على منصات الحرة الرقمية. هذا هو نص الحلقة أُعيد تحريره ليناسب القراءة مع الاحتفاظ قدر الإمكان بحرفية النص كما قدمه عيسى على الشاشة. 

 الدم دليل ونتيجة

تابع العالم كله، والمسلمون تحديدًا، المذابح التي تمت ضد العلويين في الساحل السوري، وضد الدروز في السويداء، أيضًا في سوريا. وشاع الكلام عن الدروز والعلويين في الفضاء العربي الإعلامي وعلى السوشيال ميديا. 

السؤال الحقيقي: هل المسلم السني العربي، أو حتى الشيعي، على علم بهذه العقائد أو المذاهب؟ 

هناك مشكلة كارثية. الإنسان عدو ما يجهل. لكننا عندنا تجهيل متعمد، وتشويه وتشويش متعمد من خلال المؤسسات التعليمية الدينية، أو من خلال الجماعات الدينية الإسلامية التي تسيطر وتهيمن على الفضاء المعرفي في العالم العربي، سواء من خلال مؤسساتها الدينية الرسمية ومعاهدها الدينية، أو من خلال وعاظها ومنابرها ودعاتها في السوشيال ميديا أو في التلفزيونات العربية.  

هناك مشكلة هائلة، وهي شيطنة كل مخالف، وتكفير كل مختلف.  

وهذه هي العقيدة الحاسمة الحاكمة للتعليم الديني في واقعنا العربي، وفي الوعظ الديني أيضًا. 

ويصبح شيئًا غريبًا للغاية عندما تتصدى المعاهد العلمية الدينية للمذاهب أو الأديان الأخرى. عندها، لا يقدم الأمر وكأنه تعريف وفهم وتحاور ومشاركة وتعايش، بل دروس للتكفير وبث الحقد، وغرس الغضب وغرز الضغينة تجاه الآخر. 

 لذلك، سهل جدًا وبسيط وعادي ويومي، خلال الأسابيع الماضية، أن ترى دعاة، ربما من القيروان، وربما من الأزهر، يتكلمون عن الدروز، ويتكلمون عن العلويين، من هذا المنطق.  

هل التعليم الديني في واقعنا العربي، يدرس علم اللاهوت لكي نعرف العقائد الأخرى، أم لكي نكفرها؟ 

نحن ندرس عن الدروز، وعن العلويين، وحتى عن البهائيين، وحتى عن الشيعة، مذاهبهم المتعددة، زيدية أو اثني عشرية، أو نتكلم عن المعتزلة. لكن، هل ندرس كل هذا من باب أن هذه آراء وأفكار وأديان ومذاهب، لابد أن نعرفها، لأنها تتعايش معنا في المجال العلمي، أو تعيش معنا في المجال الجغرافي، وهم مواطنون وجيران وأصدقاء وزملاء داخل منطقة جغرافية واحدة اسمها الوطن؟ 

أم ندرس من باب أنه: “لترى كم أن هؤلاء كفرة، كم أن هناك منحرفين، هؤلاء مشوهون للأديان، هذه عقيدة فاسدة ضارة، حاربوها، واجهوها، إنها خطر على الإسلام”؟ 

الأهم بالنسبة لي: هل نحن ندرس في معاهدنا وعلومنا الدينية علم مقارنة الأديان كي نفهم المغاير والمختلف والمخالف، أم كي نتحداه ونشيطنه، أو كي نكرهه؟ 

 طبيب تجميل الإرهاب 

عندما نتابع صيحات الحناجر الغاضبة، الحانقة، الحاقدة ضد العلويين، وضد الدروز تحديدًا في واقعنا الحالي، ستجدها صادرة من حناجر الإسلاميين والتيارات الإسلامية الإرهابية والمتطرفة.  

وهي تيارات قائمة على أن الآخر كافر، ومن ثم هو يملك الحكم بكفره، ومن ثم يملك الحكم بقتله، وأن الأمر في يده، والأمر تحت سيفه.  

هذا هو المتطرف، والإرهابي، والقاتل، والسفاح، الذي رأيناه، وعرفناه، وربما بعضنا للأسف تغافل عنه، وتجاهله.  

وطبعًا تطلع النكتة، والدعابة المثيرة للشفقة والغثيان، أن هؤلاء “فلول نظام الأسد”، والكلام الفارغ والهراء الذي يقال.  

لا، هؤلاء إرهابيون، متطرفون، متشددون، متعصبون، يقتلون الآخر.  

والآخر هنا مجسد في أي آخر، شيعي كان أو علوي أو درزي.  

هذا الذي يرفع السلاح، هذا الذي يقتل، هذا الذي يسفك الدماء، هذا الذي يقتحم البيوت، هذا الذي يخطف ويغتصب، هذا الذي نحاول أن نقول لكم إنه مدان ومرفوض ومنبوذ وإرهابي، دون محاولات التجميل التي تجري بيد البعض، متصورين أنهم جراحو تجميل للإرهاب. 

لكن على الناحية الأخرى، المفهوم الديني الرسمي، الذي على منبر في دمشق، أو في أي من المدن السورية، أو في العراق، أو في لبنان، أو في مصر، أو في تونس، أو في غيرها من الدول العربية، هل أدان هؤلاء ما جرى للدروز والعلويين في سوريا؟ 

هل سمعنا عن مؤسسة دينية رسمية أصدرت بيانًا يدين هذه الفواحش؟  

الإجابة: لا. 

حتى المؤسسة الرسمية السورية الدينية تتحايل وتلف وتدور. إنما الإدانة المباشرة لهذا الإجرام لم تحدث. 

لم نرَ حتى فكرة أنه لا بد من احترام التعايش، واحترام المواطنة. إطلاقًا. رأينا بؤسا، وهو التنظير الذي كفّر الآخر. 

المؤسسة التعليمية الدينية منذ النشأة، تضخ كل هذه الأفكار، وتربي العربي المسلم، وخصوصًا السني، على فكرة تكفير الآخر، تجريم الآخر، ليس على فكرة احترام الآخر. 

أنا لست مشغولًا، ولا يجب أن تكون مشغولًا، بالحكم على عقيدة الدروز.  

أنت مالك؟ 

شيء غريب جدًا! 

جماعة من الناس آمنت بمذهب، وبفكرة، وطريقة في التدين والدين. 

أنت مالك؟ 

هذا هو السؤال فعلًا.  

 معرفة وألغام 

يمكن أن أفهم، ويجب أن أفهم، طبيعة هذه المذاهب، وهذه الأفكار، وهذه العقائد، لأنني أعيش مواطنًا بجوارهم، صديقًا لهم، زميلًا لهم، شريكًا لهم في الحياة، وفي المواطنة. 

 لكن ليست مهمتي على الإطلاق أن أحكم على هذه العقيدة. 

 أتعرف عليها من باب العلم، لو أنا أريد أن أدرس وأتخصص. أو أتعرف عليها من باب الطقوس والشعائر، لو أنا أريد أن أهنئ بأعياد، وأعاشر في المواطنة والإنسانية زملائي وجيراني وإخوتي. 

إنما أن يكون كل هم التعليم الديني، أو كل هم الوعظ الديني الرسمي قبل المتطرف، أنه يبقى قائما على… يقول لك: “فساد العقيدة الدرزية، فساد العقيدة الشيعية، فساد العقيدة العلوية”. يا سيدي، أنت مالك بفسادها؟ 

 لماذا نحن مشغولون ومنشغلون على فكرة تضليل الآخر، وتكفير الآخر، وليس التعايش معه؟ 

لو كان السوري السني العادي يدرك أن هؤلاء مواطنون لا أصحاب مذاهب أخرى، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتعاطف مع أي نقطة دم تسيل وتراق باسم الدين. وكان لابد أن يهاجم، وأن يدين، وأن يرفض، وأن يحاكم، وأن يعاقب، وأن يحاسب، وأن يسائل هؤلاء الذين سفكوا دماء الأقليات تحت دعوى أنهم أقليات، وأنهم مذاهب أخرى ومخالفة، أو أديان ضالة ومضلة. 

لما أر عمامة تتحدث عن فساد الأديان الأخرى، أو فساد العقائد، أنت مشغول، ويجب أن تنشغل، بشرح عقيدتك. 

مهمتك أن تفهمها على نحو واضح ودقيق، وتعريفها لأبناء هذه العقيدة، وتصحيح مفاهيم مغلوطة فيها أو مفاهيم متطرفة. 

المفروض لو أنت عالم حق، لو أنت معلم حق، أن تكون مشغولًا بهذا، مشغولًا بعقيدتك أنت، إن كنت تريد أن تجدد فيها، أو تعمق فيها، أو تخصب الوعي تجاهها، أو تنشرها بين أبناء هذه العقيدة والديانة، أو تعرض مفاهيمها كي يتمثلها المؤمن بها، ويعيش مع أفكارها وعناوينها وتفاصيلها.  

هذه مهمتك. 

أنت تصنع مناخًا وبيئة حاضنة تمامًا للتطرف والإرهاب، وتريد أن تقول: “الإسلام بريء من الإرهاب”.  

المفروض أن المؤسسة العلمية الدينية تقول: نحن ما لنا دخل بعقائد الآخرين، ليس أن نتدخل في عقائدهم، لا نحاسبهم على عقائدهم، ليس أن نطاردهم في عقائدهم، ليس أن نفرض عليهم الصواب والضلال، العقيدة الفاسدة والعقيدة الصحيحة. 

فهمنا أنك تفهم أن عقيدتك هي الصحيحة. أنت هل ستطلع تقول: “عقيدتي فاسدة؟” ما هو لازم يبقى الآخرين الفاسدين! يا سيدي فهمنا. 

لكن، لماذا شاغل نفسك بالآخرين وبالحكم عليهم، وليس بالتعايش معهم، باحترام عقائدهم؟  

كل المؤسسات التي تتبرأ من العنف هي تدعو إليه.  

كل المؤسسات الدينية الرسمية والتقليدية والتعليمية، التي تعتقد أنها في كنف الدول أو تنتصر لاستقرار الدول والأنظمة، إنما هي في حقيقة الأمر تضع ألغامًا وشراكًا وأفخاخًا في أفكارها وتعاليمها وفي دروسها ومحاضراتها ووعظها.


اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك لتصلك أحدث التقارير من الحرة

* حقل الزامي

اترك رد

https://i0.wp.com/alhurra.com/wp-content/uploads/2025/08/footer_logo-1.png?fit=203%2C53&ssl=1

تابعنا

© MBN 2025

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading