وجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت انتقادات حادة لحكومة بنيامين نتانياهو في إدارتها لحرب غزة، داعيا إلى حل إقليمي واسع يشمل الاعتراف بدولة فلسطينية.
وفي مقابلة مع “الحرة”، تحدث أولمرت عن الحاجة إلى خطوات جريئة تتخذها إسرائيل، مثل فتح قنوات حوار خلفية مع إيران ولبنان وحتى لعقد صفقة في غزة بعد 7 أكتوبر مباشرة.
أولمرت، الذي تولّى رئاسة الوزراء بين عامي 2006 و2009، برز كصاحب موقف نقدي تجاه الأداء الإسرائيلي في حرب غزة، وكثيرا ما انتقد نتانياهو، أطول رؤساء الوزراء حكما في تاريخ إسرائيل.
حرب غزة
عندما سُئل أولمرت عمّا أنجزته حكومة نتنياهو بشكل صحيح في إدارتها للحرب في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، قال: “تقريباً لا شيء”.
وأردف: «كنت سأحاول، بعد اليومين أو الثلاثة الأولى، في وقت كان المسلحون لا يزالون منتشرين بطريقة ما في منطقة قطاع غزة، أن أطلب من القطريين معرفة ما إذا كان هناك خيار لصفقة تعيد فوراً جميع الرهائن مقابل التزام بعدم الرد».
وبرأيه، فإن هذا النهج «كان سيخلق أجواء مختلفة في إسرائيل منذ ذلك الحين… كل أعمال الشغب، والمظاهرات، والمواجهات، والانقسام، والكراهية، وانعدام التسامح التي يُعبَّر عنها من كل طرف تجاه الآخر، كان يمكننا تفاديها. وكنا سنعيد الرهائن إلى بيوتهم، وندخل في مسار معين من التعافي داخل إسرائيل، نظراً للشعور بالفشل والإهانة نتيجة التعرّض لمثل هذا الفشل».
وأضاف: «لو تعاملنا مع ردّنا على هجمات 7 أكتوبر على هذا النحو، لكان بإمكاننا في أي وقت لاحق التخطيط لهجوم مفاجئ، في وقت نختاره، على أساس استفزازات مؤكدة كانت حماس ستقع فيها… كان يمكن أن يكون الأمر مختلفاً تماماً».
فلسطين: حل إقليمي
وصف أولمرت «اتفاقات أبراهام» بأنها «خطوة أولى مهمة جداً»، مشيراً إلى أنه يرى القضية الفلسطينية في إطار أوسع من التغييرات في الشرق الأوسط. وقال: «علينا أن نبني على خطوة استراتيجية تنتهي بتطبيع جديد مع السعوديين ومع بقية الدول العربية والإسلامية، مثل إندونيسيا، ودول شمال أفريقيا كـالجزائر وليبيا والسودان وغيرها. علينا أن نتحدث عن تحرك استراتيجي يغيّر ميزان القوى في الشرق الأوسط بأكمله، ويغيّر وضع إسرائيل أمام الدول العربية والإسلامية، وهو أمر بالغ الأهمية، لوضع القضية الفلسطينية في إطار أوسع وأكبر وأكثر تاريخية».
وأضاف: «الفوائد التي ستجنيها إسرائيل من مثل هذه الخطوة، يمكن عرضها على الرأي العام الإسرائيلي في سياق مختلف عن مجرد التخلي عن بعض التنازلات الإقليمية للفلسطينيين، بل على أساس أوسع وأكثر أهمية لإسرائيل… كان ذلك سيخلق موقفاً مختلفاً تماماً من القبول والاحترام والتعاون الودّي بيننا وبين العديد من الدول».
القوى الكبرى
وقال أولمرت: «لا بدّ من الاستعانة، بطبيعة الحال، بالأميركيين. وقد يكون الأمر، إذا جرى تنظيمه وتنسيقه بشكل صحيح، أساساً جيداً لتعاون بين أميركا وروسيا والصين وأوروبا لخدمة مثل هذه الخطوة… أعتقد أن الصينيين وحتى الروس قد يكون لديهم مصلحة في تحقيق استقرار في الشرق الأوسط، يجنب القوى الكبرى جبهة إضافية غير ضرورية من المواجهة المحتملة بينهم. كما حدث الآن، مثلاً، عندما كانت أميركا تهاجم إيران، التي هي حليف لكل من الصين وروسيا».
وتابع: «إذا سألتَ الروس إن كانوا مهتمين بإنشاء عملية معينة تغيّر التوازن، أعتقد أنهم قد يكونون مهتمين. بعبارة أخرى، أعتقد أن أمام إسرائيل فرصة للخروج من الزاوية التي نحن عالقون فيها اليوم، إلى شيء مختلف تماماً، وقد يكون حافزاً إيجابياً كافياً لكثير من الإسرائيليين الذين، عندما ينظرون إلى الأمر من زاوية ضيقة جداً تجاه الفلسطينيين، يقولون: “لا، لا نريد أن نفعل أي شيء مع هؤلاء، إنهم يقتلوننا”».
الاعتراف بدولة فلسطينية
وأضاف أولمرت أن المطلوب هو «تغيير الاتجاه تجاه الفلسطينيين. الشيء الذي يجب على إسرائيل فعله، وقد فعلته أنا ووجدته مثمراً ومهماً وبنّاءً، هو أن أقول: أنا مستعد للاعتراف بدولة فلسطينية. أنا جاهز للانسحاب من أراضٍ. علينا أن ننفصل عن الفلسطينيين، لكن ليس من دون احترام، بل بانفصال قائم على الاحترام، حتى لو كان مؤلماً وصعباً بالنسبة لنا، مع احترام الحقوق الإنسانية والمدنية الأساسية التي يحق لهم ممارستها، مثل حق تقرير المصير، وغير ذلك».
وتابع: «ما لم تكن لدى الحكومة الإسرائيلية القدرة على القيام بذلك، فلن يتحرك شيء. بل سنواصل التدهور، وسننزلق إلى مواجهات جديدة، ونفقد ما تبقى لنا من علاقات صحية وصادقة مع المجتمع الدولي، وهي علاقات نحن بالفعل في طور فقدانها. إذا امتلكنا الشجاعة والحكمة والإلهام لنقول “نعم، هذا ما نريده”، فإن العالم سيكون مختلفاً، برأيي».
وختم قائلاً: «لو كنتُ رئيس وزراء الآن، لكنت قلتَ للمبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف أو للرئيس الأميركي دونالد ترمب: اسمعوا، اذهبوا وتحدثوا مع الإيرانيين، وأخبروهم أن الوقت قد حان لنا ولهم للجلوس في مكان هادئ خلف الكواليس، والبحث في تقارب يمكن التوصل إليه. لكنني لست رئيس الوزراء… بيبي (نتنياهو) هو رئيس الوزراء».

أندريس إلفيس
أندريس إلفيس هو مدير المبادرات الاستراتيجية في مؤسسة الشرق الأوسط للإرسال. وتشمل خبراته الصحفية عقدين في بي بي سي وراديو أوروبا الحرة.

