الخليج يغير قواعد اللعبة

كان الخليج ساحة مفتوحة للتنافس على النفوذ.

واشنطن تمسك بملف الأمن. وبكين تبني جسور التجارة.

اليوم، تغيرت قواعد اللعبة.

لا تكتفي الرياض وأبوظبي والدوحة بالموازنة في التعامل مع القوتين، بل تختار كل عاصمة ما يخدم مصالحها، من دون اعتذار، وسط تحولات إقليمية تعيد رسم خرائط الطاقة والتحالفات.

من يتابع حاليا العناوين بشأن الخليج، والصين، والولايات المتحدة، يلحظ أن هناك قصة أكبر من مجرّد صفقات أو بيانات دبلوماسية.

زينب ريبوع، الباحثة في مركز هدسون في واشنطن، لا تكتفي بسرد الأحداث، بل تربط بين النقاط، في حوار هذا نصه:

لم يعد الخليج ساحة يتقاسمها نفوذ الأمن الأميركي والتجارة الصينية فقط. هل ما زالت الرياض وأبوظبي والدوحة تلعب على نفس الرقعة، أم أصبحت هي من يضع قواعد اللعبة؟

هناك تحول واضح بدأ، في رأيي، مع اتفاق تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران برعاية صينية، لكن جذوره أقدم، مع تزايد تركيز بكين على الشرق الأوسط. الخليج، وخاصة السعودية، أساسي للصين في النفط والغاز. وإلى جانب قاعدتها العسكرية في جيبوتي وروابطها التجارية القوية مع المنطقة، بدأت بكين توسيع شراكاتها من دون الدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.

في إطار ما يسمونه “موجة المصالحة”، وضعت الصين نفسها وسيطاً بين إيران والسعودية، وأبدت اهتماماً بالوساطة في اليمن، بل وحتى بالمصالحة بين الفصائل الفلسطينية. الرسالة واضحة: الصين لا تريد أن تُرى فقط كقوة تجارية، بل كقوة تسعى لدور أوسع وأعمق في السياسة الدولية.

ماذا وراء هذه الطموحات؟

في المقدمة، يأتي الوصول إلى مصادر الطاقة، لكن أيضا السيطرة على الممرات الاستراتيجية والتغلغل في بنية الخليج التحتية، بما فيها التكنولوجيا. الصين استثمرت في العمود الفقري التقني للسعودية والإمارات. بالنسبة لدول الخليج، المسألة ليست استبدال الولايات المتحدة بالصين، بل تلبية احتياجات ملموسة، مثل شبكات الجيل الخامس التي لم تعد واشنطن تنتجها، بينما توفرها بكين بأسعار أقل. كل ذلك جزء من استراتيجية أوسع لتنويع الشركاء.

هل دور الصين في الخليج سياسي أيضًا؟

الصين تريد أن تُقدَّم كقوة استقرار إقليمية، وهذا ما تحاول تسويقه. لكن على الأرض، ما زال الحوثيون يهاجمون شحنات غربية ويستهدفون مصالح سعودية. تريد دول الخليج، وخاصة السعودية، الهدوء لاستكمال “رؤية 2030” وخطط التحديث، والصين شريك مفيد لتحقيق ذلك. في الوقت نفسه، تحافظ بكين على علاقة وثيقة مع إيران، وتتقاطع معها ومع موسكو في رؤية مناهضة للغرب، ما يمنحها ورقة لتعرض نفسها على الخليج باعتبارها قادرة على “إدارة” إيران.

لماذا لم تتولَّ الولايات المتحدة الوساطة بين السعودية وإيران؟

هذا يتعارض مع نهج واشنطن تجاه إيران. لعقود، حاولت الولايات المتحدة احتواء إيران دبلوماسيًا من خلال اتفاقات مثل “خطة العمل المشتركة الشاملة”، لكن طهران واصلت تطوير الصواريخ وتمويل الوكلاء، واليوم تتجاوز أنشطتها الشرق الأوسط إلى إفريقيا.

الخليج يستضيف القواعد الأميركية ويفتح أبوابه للاستثمارات الصينية. هل هذا تخلٍ عن واشنطن أم استخدام أوراق ضغط؟

بالنسبة لدول الخليج، هو تنويع حقيقي، لكنه أيضاً أداة ضغط تُستخدم عند الحاجة، وخيار بديل حين تُستنزف الخيارات القائمة. في المقابل، تحاول إدارة ترامب استعادة نفوذها التكنولوجي والذكاء الاصطناعي من الصين، وإعادة تثبيت حضورها في الشرق الأوسط. ما نشهده هو إعادة اصطفاف حقيقية.

فلنتحدث عن البريكس. كان مجرد اختصار أو تعبير اقنصادي على الورق، واليوم أصبح منصة تستقطب دولا بينها السعودية والإمارات. لماذا يراها ترامب تهديدا؟

لأنها تحولت إلى منصة مناهضة للغرب. إنشاء نظام مالي موازٍ للنظام الأميركي يضعف النفوذ الأميركي. بالنسبة لدول مثل الهند، هو خيار عدم الانحياز، لكن بالنسبة للصين وروسيا وإيران، هو بناء ثقل موازن للنظام الذي تقوده الولايات المتحدة.

السعودية لم تنضم بعد، لكنها تقول إنها مهتمة بـ”قيم” البريكس. هل المسألة قيم أم اقتصاد؟

الجواب في معظمه اقتصادي. الخليج سيتعامل مع البريكس، لكنه لن يوجه له انتقاداً علنياً إلا إذا تبنت واشنطن موقفاً حاداً. ومع تشدد الموقف الأميركي الآن، ستجد دول الخليج نفسها مضطرة للمناورة بحذر أكبر.

هل سيدفع موقف ترامب المتشدد حلفاءه بعيدا؟

الاتفاقات الأميركية الأخيرة مع الخليج تهدف لإبقاء هؤلاء الحلفاء قريبين. إذا اضطروا للاختيار، أعتقد أن السعودية ستبقى في المعسكر الأميركي، حتى مع وجود بعض الإحباطات.

ترامب هدّد بفرض 100% رسوم على أعضاء البريكس. هل هذا خيار حقيقي أم مجرد رسالة؟

هي بالأساس رسالة. الوضع يختلف عن اليورو لأنه مرتبط بحلفاء في الناتو، بينما البريكس ليس كذلك. لكن إنشاء نظام اقتصادي موازٍ قد يضعف النفوذ الأميركي، وواشنطن ترى أن من حقها حماية مصالحها.

لماذا يُعتبر النظام المالي الذي تهيمن عليه الصين سيئا لأميركا؟

لأنه سيكون نظاما يقيّد الشركات الأميركية، ويزيد من المراقبة، ويشجع على سرقة البيانات والتكنولوجيا. لن يكون بيئة مفتوحة وتنافسية للولايات المتحدة.

دعينا ننتقل إلى “عدم الانحياز”. من إفريقيا إلى جنوب شرق آسيا، هناك دول تأخذ المساعدات والسلاح ولا تنضم لتحالفات. هل هذا موقف متردد أم قوة جديدة؟

هو قوة جديدة، أتاحها الفراغ في النظام الدولي. الصين تتحدث عن “الجنوب العالمي”، وروسيا تروّج لفكرة “العالم متعدد الأقطاب”. كلاهما يسعى لكسب دول إفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا. أما الدرس بالنسبة للولايات المتحدة، فهو التركيز على ما يهم هذه الدول فعلياً: الأمن، والتجارة، والتنمية، لا الاكتفاء بالمحاضرات السياسية.

إذًا أنت لا تؤمنين بالاعتماد على القوة الناعمة فقط؟

بالضبط. القوة الناعمة تعمل حين تدعمها قوة صلبة، مثل الشراكات الاقتصادية والتجارة الحقيقية. من دون ذلك، هي مجرد كلام.

الصين تقدم بنية تحتية، وواشنطن تقدم الأمن وتخفيف الديون. هل الدول تلعب على الحبلين؟

نعم، وفي الغالب لا تملك خياراً آخر. إثيوبيا مثال واضح: أرض خصبة وموارد طبيعية، لكنها عالية المخاطر. الصين حاضرة هناك، بينما الولايات المتحدة غائبة تقريباً. على الشركات الأميركية أن تكون أكثر جرأة وحضوراً.

ألا يوجد خطر في أن يلعب الجميع على الحبلين؟

الأمر يعتمد على كل بلد. بعض الدول الإفريقية تحصل على دعم من روسيا، لكن ذلك لا يجعلها بالضرورة معادية للولايات المتحدة. المسألة تحتاج إلى مقاربة حالة بحالة، لا أحكام عامة.

هل ترامب يتبع هذا النهج؟

هو يدفع الأمور إلى نقطة تجعل البعض مضطراً للاختيار. دول مثل جنوب إفريقيا اختارت بوضوح الصين وروسيا وإيران، وهي الآن تحت العقوبات الأميركية. آخرون سيواصلون المراوغة إلى أن يُجبروا على الحسم.

جو الخولي

جو الخولي صحافي مختص في الشؤون الدولية، يتمتع بخبرة ميدانية تمتد لأكثر من عقدين بين واشنطن العاصمة والشرق الأوسط. وهو خريج جامعة جورجتاون وشارك في برنامج الزمالة الصحافية لشبكة CNN. تتركز أعماله على السياسة الخارجية الأميركية، والسياسة في العالم العربي، والدبلوماسية. بفضل معرفته بالمنطقة وأسلوبه الواضح، يقدّم تغطية تجعل القضايا العالمية المعقدة سهلة الفهم وقريبة من الناس.


اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك لتصلك أحدث التقارير من الحرة

* حقل الزامي

اترك رد

https://i0.wp.com/alhurra.com/wp-content/uploads/2025/08/footer_logo-1.png?fit=203%2C53&ssl=1

تابعنا

© MBN 2025

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading