في مقابلة خاصة مع “الحرة”، لم يتردد يوسي كوبرفاسر، العميد الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن، في توجيه انتقادات لاذعة لمؤسسات بلاده الأمنية، محمّلا إياها مسؤولية الفشل الاستخباراتي الذي أفسح المجال لهجمات 7 أكتوبر 2023 التي قادتها حركة حماس من قطاع غزة.
كوبرفاسر، الذي تولى مناصب رفيعة من بينها رئاسة شعبة الأبحاث في استخبارات الجيش الإسرائيلي والمدير العام لوزارة الشؤون الاستراتيجية، تحدث مع الزميل أندريس إيلفيس بلهجة حاسمة عن “سوء الفهم الكامل لحماس” و”الانحيازات الفكرية” و”التفكير الجماعي” التي شلّت قدرة إسرائيل على الاستعداد لهجوم حماس.
وبنبرة لا تخلو من التحذير، أكد أن إسرائيل ما زالت بعيدة عن الأمان، وشدد على أن ما وقع في 7 أكتوبر “يمكن أن يحدث مرة أخرى”. وكشف أيضا عن تجاهل تحذيراته السابقة بشأن احتمال شن هجوم من غزة، وطرح كذلك رؤيته المثيرة حول مستقبل القطاع الفلسطيني.
ما الذي حدث بشكل خاطئ؟
قال كوبرفاسر إن “الكثير من الأمور كانت خاطئة، سواء في مجال الاستخبارات أو في الجاهزية العملياتية أو في النهج العام تجاه التحدي [الذي مثلته] غزة. كل ذلك كان خاطئاً، خاطئاً بشكل عميق”.
وأوضح أن مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي كان يعاني من “سوء فهم كامل لحماس … ليس الأمر أننا لم نكن نعرف ما يجري. كنا نعرف تقريباً كل شيء. لم نكن نعرف التاريخ والطريقة الدقيقة التي سيتصرفون بها، رغم أن لدينا الخطة بالفعل”.
وعزا كوبرفاسر هذا الفشل إلى “التحيز التأكيدي قبل كل شيء آخر. أي معلومة تأتيك إذا كانت تتماشى مع ما تظنه عن العدو تعطيها أهمية كبيرة. وأي معلومة تأتي وتتناقض مع ما تظنه عن العدو تقول: ‘لا، هذا غير مهم، مجرد إزعاج وضوضاء’. وهذا بالضبط ما حدث مع جميع الناس. المشكلة كانت في التفكير الجماعي”.
تجاهل تحذير
قال كوبرفاسر إنه كان قد حذّر قبل أشهر من أن هجوماً من غزة يلوح في الأفق، غير أن تحذيره لم يلقَ آذاناً صاغية. وأوضح: “كتبتُ ورقة في يونيو 2023، قبل أربعة أشهر من الحرب، وقلت: نعم، هناك احتمال لوقوع هجوم، ولن يأتي من الشمال. لن يأتي من إيران. سيأتي من غزة. عليكم أن تدركوا أن الهجمات الإرهابية ستأتي من غزة”.
وتابع قائلاً: “قلت: دعونا نبدأ عملية عسكرية لنزع سلاح حماس”. لكنه أضاف: “الرد الذي تلقيته من أولئك الذين أرسلت لهم الورقة كان: ‘ما مشكلتك؟ ألا تعلم أن حماس مردوعة؟'”.
المستقبل
أكد العميد بحزم أن استمرار قصر النظر داخل مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي يعني أن البلاد ما زالت عرضة للخطر، قائلاً: “[7 أكتوبر] يمكن أن يحدث مرة أخرى. بالتأكيد، يمكن أن يحدث. في الواقع، حدث ذلك عدة مرات منذ 7 أكتوبر، ارتكبنا العديد من الأخطاء الاستراتيجية في مجال الاستخبارات. على سبيل المثال، لم يتوقع أحد أن نظام [الدكتاتور السوري بشار] الأسد سيسقط بالطريقة التي سقط بها. هناك العديد من القضايا الأخرى، أصغر لكنها ذات أهمية استراتيجية أيضاً، لم تتنبأ بها الاستخبارات … فشل الخيال يمكن أن يؤدي إلى نتيجة كارثية. هؤلاء الأشخاص الذين كانوا في مواقعهم لم يكن لديهم القدرة على التخيّل”.
وعن مستقبل غزة، قال كوبرفاسر: “لا أعرف المدة بالضبط، لكن لفترة معينة يجب أن يكون الجيش الإسرائيلي مسؤولاً عن القطاع”.
وأوضح قائلاً: “المشكلة في إسرائيل أننا نريد وجبة مجانية. أفهم لماذا يريد الناس وجبة مجانية: فهي رخيصة ولذيذة. لكنها صعبة المنال. نحن نريد أن نرى حكومة جديدة في غزة من دون أن نتأكد من أننا نسيطر فعلياً على قطاع غزة، ونريد من هذه الحكومة الجديدة أن تتولى ملف الأمن بينما نحن خارج الصورة. هذا مجرد تمني. لا أعتقد أن هذا سيحدث”.
كما طرح كوبرفاسر رؤية بديلة لإدارة القطاع، قائلاً: “قد نفكر في حكومة إقليمية، ليس شخصاً واحداً يحكم كل غزة، بل شخص يحكم منطقة رفح، وشخص آخر يحكم منطقة خان يونس، وآخر يحكم المخيمات الوسطى ودير البلح، وآخر يحكم مدينة غزة، وآخر يحكم الأجزاء الشمالية … وبذلك لن تكون لديهم تطلعات وطنية”.
وعندما سأله الزميل إيلفيس عمّن سيتولى تعيين هؤلاء الأفراد، أجاب كوبرفاسر بأن هيئة دولية هي من ستقوم بـ”تعيينهم”.
وأضاف موضحاً أنه، طالما أن المرشحين لمناصب القيادة “ليسوا من حماس، ولا يملكون ماضياً إرهابياً، يمكنهم تولي هذه المناصب. وسيتعين أن تتم الموافقة عليهم من جانبنا، لكننا لا نريد أن نكون نحن من يعيّنهم”.


