ما تزال أصدار قرار مجلس الأمن 2797، الذي ينص على “منح الصحراء الغربية حكماً ذاتيّا حقيقيّا تحت السيادة المغربية” تتردد في المغرب والجزائر وغيرهما من الدول المعنية أو المهتمة.
وتنصب التساؤلات في هذه البلدان حول إمكانية تطبيق القرار، والتحديات التي يطرحها ذلك في طريق المغرب، الذي سيجد نفسه عالقاً بين طرفي معادلة “الحكم الذاتي في بلد مركزي”.
وقد جاء القرار ليجدد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) حتى أكتوبر 2026، لكنه أسقط للمرة الأولى منذ 1991 أي إشارة إلى الاستفتاء على تقرير المصير.
جذور النزاع
تعود جذور نزاع الصحراء الغربية إلى عام 1975، حين أنهت إسبانيا وجودها في الإقليم بعد قرنٍ من الاستعمار.
وأقرت محكمة العدل الدولية قبل سنوات بوجود روابط تاريخية للبيعة بين سلاطين المغرب وبعض قبائل الصحراء، لكنها أكدت في الوقت ذاته حق السكان في تقرير المصير، ما فتح الباب أمام نزاعٍ حول السيطرة على الصحراء.
وردّ المغرب حينها بـ”المسيرة الخضراء” التي شارك فيها أكثر من 350 ألف متطوع، وأعقبها توقيع اتفاق مدريد لتقاسم إدارة الإقليم بين المغرب وموريتانيا.
لكن الخلافات استمرت، وأعلنت جبهة البوليساريو بدعم من الجزائر وليبيا قيام الجمهورية الصحراوية وبدأت حرب استنزاف ضد البلدين.
في السبعينيات والثمانينيات انسحبت موريتانيا من النزاع، فبسط المغرب سيطرته على وادي الذهب وشيّد الجدار الرملي بطول 2700 كلم لتأمين ما أسماها “الصحراء النافعة” أي المراكز الحضرية والموانئ والمناجم.
وفي عام 1991، أُبرم اتفاق وقف إطلاق النار وأنشئت البعثة الأممية (مينورسو) للإشراف على استفتاء تقرير المصير، بيد أن عملها تعثّر بسبب الخلافات حول قوائم الناخبين، ليتجمّد الملف سياسيا منذ ذلك الحين.
في عام 2007، وبعد أكثر من عقد من الجمود، قدّم المغرب إلى الأمم المتحدة مبادرة الحكم الذاتي.
تقوم الفكرة على تمكين سكان الإقليم من إدارة شؤونهم بأنفسهم ضمن السيادة المغربية، من خلال مؤسسات منتخبة وبرلمانٍ محليّ و”حكومةٍ إدارية” تتولى الشؤون الاقتصادية والتنموية، مع شرطةٍ ومحاكم محلية.
في المقابل، تحتفظ الدولة المركزية بالاختصاصات السيادية: الدفاع، الأمن الخارجي، العلاقات الدبلوماسية، العملة.
“القرار الأممي أنهى فعليّا خيار الاستفتاء، إذ لم يذكره مطلقاً، ودعا الأطراف إلى التوصل لحل سياسي واقعيّ مقبول لدى الجميع”، يقول سمير بنيّس، الباحث والمستشار السياسي السابق لدى الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أن التحوّل نحو “الواقعية والبراغماتية” بدأ منذ قرارات مجلس الأمن في العقد الماضي.
فصل جديد ومواقف متناقضة
اعتمد مجلس الأمن القرار 2797 بأغلبية أحد عشر صوتاً، مقابل امتناع روسيا والصين وباكستان، وعدم مشاركة الجزائر في التصويت.
في الرباط، استُقبل القرار بوصفه تحوّلا تاريخيّا، وقال ملك المغرب محمد السادس في خطابٍ تلفزيوني: “إننا نفتتح فصلاً جديداً ومنتصراً في عملية ترسيخ مغربة الصحراء وإغلاق هذا النزاع المفبرك”.
في المقابل، رحّبت جبهة البوليساريو بتمديد ولاية (مينورسو)، لكنها رفضت، بحسب بيانها الرسمي، “أي عملية سياسية تقوم على مقترحات تهدف إلى إضفاء الشرعية على الاحتلال المغربي”، مؤكدة تمسكها بـ”الحق غير القابل للتصرف في تقرير المصير.”
أما الجزائر، فاختارت بحسب دبلوماسيين، موقفاً محسوباً لتجنّب مواجهة مباشرة مع واشنطن دون الاعتراف بالمبادرة المغربية.
تقول انتصار فقير، مديرة برنامج شمال أفريقيا والساحل في مؤسسة الشرق الأوسط الأميركية، إن “الجزائر عبّرت عن خيبة أملها، لكنها تحاول التعامل مع الواقع الجديد بحذر، موازنةً بين موقفها التاريخي ورغبتها في علاقة أقل توترا مع الولايات المتحدة.”
وكان موقف الولايات المتحدة حاسماً فيما يتعلّق بالتطورات بشأن الصحراء الغربية، ولاسيما قرار مجلس الأمن الأخير بشأنها.
“الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء كان نقطةً مفصلية مكّنت الرباط من نيل دعم قوى كبرى، بينها فرنسا وإسبانيا، التي ترى في المغرب حليفاً استراتيجيّا موثوقاً وبوابةً نحو أفريقيا.” يؤكد بنّيس.
اللامركزية والتنمية
رغم الزخم الدبلوماسي، يواجه المغرب تحدّيا داخليا: تحويل الحكم الذاتي من نصّ سياسي إلى ممارسةٍ مؤسساتية واقعية.
لكن بنّيس يشدد على أن “المغرب كان يدبّر الصحراء بمنطق اللامركزية الواقعية منذ قرون، وما يجري اليوم هو تحديث لذلك التقليد ضمن مؤسسات معاصرة.”
بدورها، ترى فقير أن “مشروع الجهوية المتقدمة لم يُستكمل بعد. الحكم الذاتي في الصحراء يمكن أن يكون نقطة اختبار لهذا النموذج قبل تعميمه على باقي مناطق المملكة”.
ويرى مراقبون أن نجاح التجربة سيُقاس بقدرة الرباط على تحقيق التوازن بين نقل الصلاحيات إلى الجهات والحفاظ على تماسك الدولة المركزي، بحيث لا تتحول اللامركزية إلى ازدواجية في القرار ولا تبقى مجرّد وعدٍ سياسي.
ومنذ عام 2015، ضخّت الحكومة المغربية مليارات الدولارات في مشاريع البنية التحتية والتنمية جنوب المملكة، ولاسيما في مشاريع الطاقة المتجددة والموانئ وتحلية المياه.
وتسعى الرباط إلى جعل الأقاليم الجنوبية “بوابة اقتصادية” نحو أفريقيا عبر مناطق صناعية ولوجستية تستقطب الاستثمارات الأجنبية، خصوصا في الطاقات الخضراء والسياحة.
ويقول بنّيس إن المغرب دولة مستقرة وموثوقة لدى المجتمع الدولي، ما يجعله خياراً مفضّلاً للشركاء الغربيين، وخصوصا الولايات المتحدة التي ترى في جنوب المملكة بوابة استراتيجية نحو القارة الأفريقية.
وقد تزامن صدور القرار 2797 مع إعلان الوكالة المغربية للاستثمار والتنمية عن مشاريع جديدة بقيمة 7.8 مليار دولار، نصفها في الطاقة المتجددة. غير أن البنك الدولي نبّه إلى أن التوسّع الاستثماري سيظل هشا من دون وضوح في الوضع القانوني النهائي للإقليم.
وعلى المستوى الاقتصادي أيضاً، تعتبر الرباط أن الدعم الأميركي-الأوروبي للقرار الدولي الأخير يشكّل ضوءا أخضر اقتصاديا، إذ أعلنت فرنسا والإمارات وبولندا عن تمويلات واستثمارات في الجنوب، فيما شجّع نائب وزير الخارجية الأميركي كريس لاندو المستثمرين على دخول المنطقة في إطار خطة الحكم الذاتي.
وفي كلّ الأحوال، لا ينهي القرار 2797 النزاع قانونيّا، لكنه يعيد تأطيره بالكامل. فالأمم المتحدة لم تُغلق ملف الصحراء الغربية، لكنها نقلت النقاش من سؤال السيادة إلى سؤال الإدارة، مع بقاء تحديات تنفيذه قائمة.

هدى البوكيلي
هدى البوكيلي صحفية استقصائية مغربية مقيمة في الولايات المتحدة، حائزة على عدة جوائز دولية. تحمل شهادة ماجستير في الصحافة والإعلام المؤسساتي من المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، وإجازة في علوم الاقتصاد من جامعة القاضي عياض بمراكش.


