حكم ديني في الإسلام؟

في حلقته الأسبوعية على منصات “الحرة” الرقمية، يتناول الكاتب والصحفي، إبراهيم عيسى، مسألة تداخل الدين والسياسة في الإسلام.

يرى الصحفي المصري البارز أن الحكم في التاريخ الإسلامي كان شأنا سياسيا خالصا، إلى أن “وضعت السياسة يدها على الدين”.

النص التالي أهم ما جاء في الحلقة، أعيد تحريره لتسهيل القراءة.

بعد 48 ساعة فقط من وفاة النبي محمد، تحول الإسلام إلى سياسة. توفي النبي يوم الاثنين، ودفن يوم الأربعاء، وفي هذه الفترة القصيرة، وتحديدا يوم الأربعاء، حصل اجتماع السقيفة، في سقيفة بني ساعدة، حيث اجتمع الأنصار، الأوس والخزرج، من أجل الحسم في مصير الخلافة.

القصة الشهيرة التي تلت ذلك هي وصول أبي بكر وعمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح إلى السقيفة. في الاجتماع، حصل حوار ونقاش وصخب، وحتى لغط وربما تنابز على من يحصل على البيعة.

اجتماع السقيفة.. حوار بلا آية ولا حديث

الغريب أنه عندما تقرأ عن سقيفة بني ساعدة، من كل المراجع التي تتصورها أو تتخيلها، من أي طرف، سنة وشيعة، أو أي كتاب من الطبري لغاية هشام جعيط، النتيجة هي أنك لن تجد استشهادا واحدا، بآية قرآنية أو حديث نبوي خلال هذه المناظرة أو النقاش الذي جرى في سقيفة بني ساعدة بين الصحابة، سواء كانوا من المهاجرين أو الأنصار.

لم يحدث على الإطلاق استشهاد واحد بآية أو حديث. كان الكلام كله دنيا، وعقل، ومنطق، وسياسة، وانحيازات. لم يكن الدين في الموضوع مطلقا. القصة كلها كانت صراعا سياسيا على الحكم من خلال السياسة.

ظل كما هو في مساره الخاص: عبادات ومعاملات وفقها، ثم علم كلام وعقيدة. مسار سار طول الوقت في خطه الخاص، يتناول علاقة المرء بربه. أما السياسة فكانت صراعا سياسيا دائما.

لكن ما الذي سيحدث في هذه العلاقة لاحقا؟ الذي سيحدث أن السياسة ستبحث عن غطاء، وسلاح، وأداة، ووسيلة إغراء. وهنا دخلت السياسة في الدين.

الدين لم يذهب مطلقا ناحية السياسة. لم يتحدث فيها، ولم يدعُ إليها، ولم ينظر فيها. الدين – لا القرآن ولا الأحاديث الصحيحة – تحدث عن شكل الحكم أو طبيعة الصراع السياسي. السياسة هي التي ذهبت وأخذت الدين، واستولت عليه كله.

الخلافة.. سياسة فقط

لاحظ حتى في كل النقاشات التي جرت في ما يخص خلافة أبي بكر الصديق للنبي، ثم خلافة عمر بن الخطاب لأبي بكر، وخلافة عثمان بن عفان لعمر. كل هذه النقاشات ليس لها علاقة بالدين على الإطلاق. لم تتجه ناحية الدين، ولم تتكلم بالدين، ولم تستند إلى حديث أو قرآن. فعمر بن الخطاب، على سبيل المثال، وضع نظاماً غريباً ومثيراً للدهشة لتحديد من يكون أمير المؤمنين بعده، حيث اختار ستة ليختاروا منهم واحداً. إنه قرار سياسي بحت.

وحتى إبان الصراع الذي وقع في عهد عثمان بن عفان، كان النقاش كله عن السياسة، وتصرفات عثمان السياسية. والناس كانوا متمردين على عثمان لأن أهله وأقاربه حكموا الولايات، ولأن هناك امتيازات في الأموال. أين كان الدين في كل هذا؟

نعم، كان هناك نقاش كبير حول جمع المصاحف وتوحيدها. ولكن في المحصلة، الصراع الكبير كان يدور حول تصرفات سياسية لعثمان بن عفان.

ثم جاء الصراع بين علي ومعاوية. معاوية كان يقول إن عليا لم يأخذ بالقصاص لعثمان، ويريد أن يأخذ ثأر ودم عثمان من قتلته. أين الدين في هذا الموضوع؟ القصة كلها سياسة.

وعندما انتهى هذا الصراع، نشأ خلاف آخر حول فكرة الملك. معاوية أراد أن يحول الحكم إلى ملك عضوض، بمعنى أن يورث ابنه الحكم. ما علاقة الدين بهذا الموضوع أيضا؟

كان معاوية كأي ملك يريد أن يورث ابنه. لم يستند في ذلك على قرآن أو حديث نبوي. إنه أمر يتخذه ملك شأنه شأن القياصرة والأكاسرة. إنه قرار سياسي بحت، أدى إلى صراع وخناق واختناق سياسي حول فكرة توريث الحكم والملك العضوض.

تأسيس المذاهب.. ودخول السياسة في الدين

في كل هذه الصراعات السياسية، بدأت السياسة تبحث عن الدين. فأنصار علي، الذين أصبحوا يسمون بالشيعة، قرروا أنه إزاء هذه الهزيمة التي تلقاها تيار الخليفة الرابع علي بن أبي طالب باغتياله، وبسبب سيطرة الأمويين على الحكم، أن يصنعوا لأنفسهم مذهبًا دينيًا. هذا المذهب كان لاحقًا على علي نفسه، ولاحقًا على الصراع. إنه صراع سياسي صنعوا له غلافًا دينيًا وغطاءً دينيا.

وبسبب سنوات القمع والقهر والمطاردة التي تعرضوا لها من الدولة الأموية ثم من العباسيين، بدأ المذهب الشيعي ينمو ويكبر ويتفرع، ويصنع من الخلاف السياسي القديم أصولًا دينية وشكلاً دينيًا.

نفس الشيء حدث مع الطرف الآخر. الأمويون، ومن بعدهم العباسيون وأهل السنة والجماعة، قرروا أيضًا أن يصنعوا غلافًا دينيًا للخلاف السياسي. يستخدمون الدين في السياسة، ويقدمون الدين كوسيلة للسياسة.

لقد استمر هذا الأمر، وهو استخدام السياسي للدين. وأصبح الحكام يستخدمون الدين ضد معارضيهم، ويتهمون كل من وقف ضدهم بأنه كافر، أو ينادي بخلق القرآن، أو أنه من القدرية أو المرجئة. بدأوا يطلقون على معارضيهم هذه الأسماء، ثم يقتلونهم ويعدمونهم باسم الدين، بينما في حقيقة الأمر، كان الخلاف معهم سياسياً بحتاً.

“كفر المماليك”.. البحث عن مبرر لغزو مصر

في فترات لاحقة، عندما تأسست الدولة العثمانية، جاء سليم الأول ليحتل مصر. احتلاله كان سياسياً محضاً. إنه رجل توسعي، لديه فائض قوة، ورأى مجتمعاً ضعيفاً فذهب ليحتله. هذا أمر عادي في إطار حروب القرون الوسطى. لكن المشكلة أنه لم يكن يحارب دولة كافرة، بل كان يحارب المماليك، وهم دولة مسلمة.

إذن، ما هو المبرر الديني؟ كان لا بد أن يجد شكلاً دينيًا. قام بإصدار فتوى من المفتي الخاص به في السلطنة، تقول إن المماليك هؤلاء كفرة. ولماذا هم كفرة؟ السبب هو أنهم يطبعون صورة على العملة الفضية الخاصة بهم.

تصور! إن الفتاوى التي صدرت حتى يغزو سليم الأول مصر كانت تحت اسم أن هذا غزو إسلامي، والمماليك كفرة لأنهم يطبعون صورة على عملتهم الفضية.

إذا قفزنا بالزمن إلى العصر الحديث، نجد أن كل فكرة “الحاكمية لله”، وكل فكر أبي الأعلى المودودي الذي تبناه سيد قطب، والذي انتقل إلى الإخوان المسلمين وحسن البنا وأيمن الظواهري وأسامة بن لادن وحماس، كل هذا هو استخدام للدين في السياسة. إنها محاولة لتدين السياسة.

لماذا؟ لأن هناك من يسعى إلى الحكم، ويريد أن يصل إلى الملك. يريد الهيمنة والتمكين وحكم البلاد. وطريقة الوصول إلى الحكم هي استخدام الدين.

لذلك، يقولون إن الحكم لله. يقولون إن الشريعة يجب أن تطبق. يقولون إن المجتمع جاهلي. يقولون إن الحاكم كافر. يقولون إنه لا يوجد تطبيق للشريعة. يقولون إن المرأة سافرة والمجتمع منحل. يقولون إن هناك موالاة، وتأييدًا للصليبيين والكفار. يقولون كل هذا حتى يصلوا في النهاية بهذه الأدوات إلى الحكم.

لماذا يرفضون فصل الدين عن الدولة؟

إذن، هل الإسلام فيه سياسة؟ لا، ليس في الإسلام سياسة. ولا في المسيحية سياسة، ولا في اليهودية سياسة. بل إن السياسة هي التي فيها الدين. هذا هو المشهد اليومي الذي نعيشه. فلماذا عندما نقول: يا جماعة، لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، يقفزون في وجهك ويكفرونك؟

إنهم يكفرونك لأنك تحرمهم من السلاح الذي يستطيعون به الوصول إلى الحكم والهيمنة والسيطرة على الحكم. عندما تقول لهم إنه لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة، فإنك تضرب في جذر طريقتهم للسيطرة والهيمنة والتمكين. إنهم طول الوقت يريدون أن يكون “الإسلام دين ودولة” لسبب واحد فقط: لأنهم يريدون أن يسيطروا على الدولة.

لا يمكنهم بأي حال من الأحوال أن يقبلوا بأن تقول لهم: “الإسلام دين، أما الدولة فدولة مدنية”.

هذه العبارة ستحرمهم مما يسعون إليه ويحلمون به وينظرون له منذ سنوات، ويقتلون ويتقاتلون من أجله. لذلك، يجب عليك أن تقول لهم إن الإسلام فيه سياسة، حتى يقبلوا بك. أما إذا قلت لهم إن الإسلام لا يوجد فيه سياسة أصلاً، فليس أمامك إلا أن تنتظر وعدهم بالقتل والذبح.

إبراهيم عيسى

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك لتصلك أحدث التقارير من الحرة

* حقل الزامي

اترك رد

https://i0.wp.com/alhurra.com/wp-content/uploads/2025/08/footer_logo-1.png?fit=203%2C53&ssl=1

تابعنا

© MBN 2025

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading