واشنطن والجزائر.. ما وراء “التطبيع” و”الصحراء”

الحرة's avatar الحرة2025-09-16

رغم اصطدامها بجداريْن كبيريْن هما التطبيع مع إسرائيل وملف الصحراء الغربية، تستكمل العلاقات بين الولايات المتحدة والجزائر مسارها نحو مزيد من التعاون والشراكة في مجالات مهمة عدة، أبرزها الأمن والاقتصاد والتبادل الثقافي.

وبقدر ما يثير هذا الأمر دهشة مراقبين ومهتمين، فإنه يفرض البحث عن الأسباب التي صنعت هذا الاستثناء، وأدخلت الدفء إلى العلاقات بين البلدين، وجعلتها تسير بخطى بطيئة لكنها ثابتة نحو شراكة استراتيجية مهمة.

ازدادت أهمية الجزائر كشريك فاعل لواشنطن في مكافحة الإرهاب، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، وشمل ذلك تبادل معلومات استخباراتية وتدريب للقوات الأمنية المحلية.

في آخر تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأميركية في عام 2023 حول مكافحة الأرهاب تمت الإشارة لتنفيذ الجزائر عمليات لمكافحة الإرهاب داخل حدودها، واعتقال إرهابيين، وهدم ملاجئ ومخازن أسلحة.

كذلك تحدث التقرير عن مواصلة الولايات المتحدة والجزائر تعزيز شراكتهما في مكافحة الإرهاب من خلال حوار منتظم وتبادل للخبرات التقنية.

الأمن والثقافة في مواجهة “التطبيع” و”الصحراء”

بالنظر إلى مواقف المسؤولين الأميركيين، يبدو أن واشنطن تُدرك وربما تتفهّم موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية، وتُقرّ بأن احتمالية انضمامها إلى اتفاقيات أبراهام تكاد تكون معدومة في المدى المنظور، على خلفية ما يجري في قطاع غزة.

ومع التسليم بهذه الحقيقة، تقفز العلاقات بين البلدين إلى مجالات أخرى للتعاون.

ترى سارة يركيس، كبيرة باحثين في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أن “العلاقات بين الجزائر والولايات المتحدة لم تكن أقرب مما كانت عليه خلال العامين الماضيين، ويرجع ذلك إلى زيادة التفاعل بين الشعوب، والتبادل التعليمي وهي عوامل القوة الناعمة التي جعلت الجزائر والولايات المتحدة أقرب بكثير إلى بعضهما البعض من أيّ وقت مضى”.

ودخل التعاون الاقتصادي والاستثماري بين الولايات المتحدة والجزائر أخيرا مجالات جديدة وتوسّع في أخرى بينها الطاقة المتجددة والمناجم الصناعات التحويلية وصناعة الدواء واقتصاد المعرفة وغيرها، فيما لم يترك رفع الرسوم الجمركية الأميركية على المنتجات الجزائرية بنسبة 30 في المئة أثرا كبيرا على تعاونهما.

تعد العلاقات الاقتصادية بين البلدين هامة، مع وجود اهتمام أميركي بالاستثمار في الجزائر، خاصة في قطاعي النفط والغاز.

تُعتبر الجزائر لاعبا مهما في سوق الطاقة العالمي، فالبلد يصنف من بين أكبر 10 منتجين عالميا للغاز الطبيعي بنحو 4.5 تريليون متر مكعب من احتياطي الغاز المؤكد، ما يجعلها ثاني أكبر احتياطي في أفريقيا بعد نيجيريا.

اتاح لها قربها من أوروبا عبر البحر المتوسط، لأن تصبح مصدراً رئيسياً للغاز الطبيعي المسال إلى دول مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا.

وفي ظل أزمة الطاقة الأوروبية بعد الحرب في أوكرانيا، ارتفعت أهمية الجزائر كمورد بديل للغاز الروسي.

أما إنتاجها من النفط الخام فيتراوح بين 900 ألف 1.1 مليون برميل يوميا، جزء أساسي منه يتجه إلى أوروبا والولايات المتحدة.

ويمنح رفض الجزائر للتطبيع مع إسرائيل نظامها “رصيدا معنويا” في الداخل، كما يرى مراقبون، ويشكّل امتدادا لتوجّه راسخ في السياسة الجزائرية منذ عقود، تشاطره معها تونس بدرجة كبيرة.

وتعتقد يركيس أن: “التحدي الذي تراه الولايات المتحدة وغيرها هو في الواقع الصحراء الغربية بشكل عام، وليس موقف الجزائر أو تعنّتها تجاه إسرائيل على وجه الخصوص، بل فكرة أن وجود هذا الصراع بين المغرب والجزائر يضرّ بالتعاون”.

وبالفعل، كانت الجزائر قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في الرابع والعشرين من أغسطس عام 2021، بعد اتهامها بـ”القيام بأعمل عدائية” ودعم جماعة إرهابية تقف وراء حرائق الغابات الضخمة التي شهدتها البلاد حينها، وأدت إلى مقتل عشرات الأشخاص.

وقد أرخى ذلك بظلاله على التعاون الاقتصادي بين البلدين، إذ أغلقت الجزائر مجالها الجوي مع أمام الطائرات المدنية والعسكرية المغربية، وأعلنت عدم تجديد عقد استغلال خط أنابيب الغاز الذي يمتد بين المغرب وإسبانيا عبر أراضيها.

وتوضح انتصار فاخر، كبيرة باحثين في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، أن: “هناك عوامل أخرى تؤثر على العلاقة الثنائية بين الولايات المتحدة والجزائر، لا علاقة لها بإسرائيل”، وتشير في هذا السياق إلى “ملف الاستقرار الإقليمي والتعاون العسكري المحتمل وكذلك إمكانية تعاون اقتصادي أكبر”، وهي بنظرها أهم بالنسبة للجزائر من مسألة الانضمام إلى اتفاقات أبراهام.

وبالطبع يشكّل ملف الصحراء الغربية أحد أهم هذه العوامل. وليس بعيدا عنه، تقف العلاقات بين واشنطن والرباط.

وقد عملت الولايات المتحدة لسنوات على دفع الجزائر نحو إطار تفاوضيّ أو دعم خطة الحكم الذاتي للصحراء الغربية، ولطالما كانت أقرب إلى موقف المغرب في هذه المسألة. وقد شكّل هذا الملف جزءا من محادثات المبعوث الأميركي مسعد بولوس خلال زيارته في يوليو للجزائر، التي شجّعها على الانضمام أو الضغط على جبهة البوليساريو لتبني المواقف التي تدعمها الولايات المتحدة.

وقد أكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بعد اجتماعه مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، في أبريل عام 2025، أن الحل الوحيد للنزاع حول قضية الصحراء الغربية، لا يمكن أن يقوم إلا على أساس مقترح المغرب الخاص بالحكم الذاتي فيها، وهو موقف يعيد تأكيد الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على المنطقة.

وترى الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية أن استمرار النزاع بشأن الصحراء الغربية والقطيعة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب أضرّا بالاستقرار في المنطقة، وأضعفا التعاون الإقليمي في مواجهة التهديدات الأمنية في الساحل، وعرقلا فرص التكامل الاقتصادي والأمني في شمال إفريقيا.

ماذا عن الصين وروسيا؟

لم يؤثّر اللاعبون الدوليون الآخرون في المنطقة على وجهة العلاقة والتعاون بين الولايات المتحدة والجزائر.

تقول يريكس أنه “بعد نهاية حقبة الرئيس بوتفليقة. عملت الجزائر على الانفتاح وتنويع علاقاتها الدولية بشكل أكبر، مع الحفاظ على مبدأ عدم الانحياز الذي لطالما ميّز سياستها الخارجية. وفي الوقت الذي تُعزز فيه الجزائر علاقاتها الإيجابية مع الولايات المتحدة؛ فإن هذا لا يؤثر على شراكاتها القوية مع قوى عالمية أخرى مثل روسيا والصين”.

 وكان الرئيس عبد المجيد تبون قد قام بزيارة إلى موسكو وبكين عام 2023، تخللهما توقيع اتفاقيات عدة مع البلدين أبرزها “إعلان الشراكة العميقة” بين البلدين.

ويبدو أن لهذا الواقع ما يبرره، إذا تؤكد فاخر “أن هناك اختلافا جوهريّا في طبيعة مشاركة روسيا والصين في إفريقيا. فروسيا تركّز بشكل أساسي على التعاون الأمني وتوفير الخدمات العسكرية، بينما تنتهج الصين نموذجا مختلفا يركّز على الجانب الاقتصادي، وذلك من خلال الاستثمار في البنية التحتية، مثل بناء الموانئ.

ما بعد “التطبيع” و”الصحراء”

في 12 سبتمبر الجاري، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة “إعلان نيويورك”، وهو قرار يدعو إلى خطوات ملموسة ومحددة زمنيا لتحقيق حل الدولتين بين إسرائيل وفلسطين.

يشمل الإعلان دعما لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، مع الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود كدولة، وإدانة هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023، بالإضافة إلى إدانة الحصار الإسرائيلي على غزة والعمليات العسكرية التي أدت إلى كارثة إنسانية.

حصل القرار على 142 صوتا موافقا، مقابل 10 أصوات رافضة (بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة)، و12 امتناعا.

الجزائر كانت من بين الدول التي صوتت لصالح هذا الإعلان، مما أثار جدلا واسعا بسبب موقفها التاريخي الثابت ضد إسرائيل.

تُعد الجزائر من أبرز الدول العربية الداعمة للقضية الفلسطينية منذ استقلالها عام 1962.

كانت أول دولة تعترف بتنظيم التحرير الفلسطيني كممثل شرعي للفلسطينيين، ودعمت الفصائل المقاومة مثل حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
الرئيس الحالي، عبد المجيد تبون، أكد في فبراير الماضي أن الجزائر لن تُطبّع علاقاتها مع إسرائيل إلا بعد إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، مع القدس الشرقية عاصمة لها.

لا تعترف الجزائر بإسرائيل رسميا، وهي واحدة من 28 دولة عضوًا في الأمم المتحدة التي لا تعترف بها (بما في ذلك دول عربية وإسلامية أخرى مثل السعودية والعراق).

في السنوات الأخيرة، رفضت الجزائر اتفاقيات التطبيع مثل اتفاقيات أبراهام (2020)، وانتقدت دولا مثل المغرب والإمارات لتطبيعها مع إسرائيل.

ومثل تصويت الجزائر لصالح إعلان نيويورك تحولا دبلوماسيا ملحوظا، رغم أنه لا يعني اعترافا بدولة بإسرائيل.

يرى بعض المحللين أن الجزائر قادرة على استثمار الغضب الدولي المتصاعد تجاه إسرائيل، خاصة في ظل “صمت الرباط حيال حرب غزة”، لتصوير المغرب كحليف لإسرائيل على حساب الفلسطينيين. غير أن الواقع الحالي يشير إلى أن أغلب الدول الأفريقية ما زالت أقرب إلى موقف المغرب في ملف الصحراء الغربية، ما يجعل معركة الجزائر على هذا الصعيد “طويلة ومعقدة”.

على أن هذيْن الملفين المهمّين لم يعرقلا المسار الإيجابي الذي تسلكه العلاقات بين الولايات المتحدة والجزائر. ولم تتوقّف واشنطن كثيرا عند “ملف التطبيع”، ولم تتوقف الجزائر كثيرا عند الموقف الأميركي بشأن الصحراء الغربية، وبينهما وجد البلدان مجالات أمنية واقتصادية عدة للحفاظ على تعاونهما وبناء شراكة مهمة.


اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك لتصلك أحدث التقارير من الحرة

* حقل الزامي

اترك رد

https://i0.wp.com/alhurra.com/wp-content/uploads/2025/08/footer_logo-1.png?fit=203%2C53&ssl=1

تابعنا

© MBN 2025

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading